Cancel Preloader
دراسات ومقالات المركز

الإدمان الرقمي

الإدمان الرقمي

الإدمان الرقمي

للكاتب : علي الصيلمي 

 

غيّرت التكنولوجيا الرقمية طريقة حياتنا، بحيث أصبحت في عالمنا المعاصر جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة، فالأجهزة الرقمية (الهاتف المحمول، الكمبيوتر المحمول و الـ iPad) والإنترنت اخترقا جميع نواحي حياتنا، من العمل إلى الترفيه والتواصل الاجتماعي وغيرها. ومع هذا التطور السريع والانتشار الواسع للتقنيات الرقمية، برزت مشكلة الإدمان الرقمي كواحدة من أبرز الظواهر السلوكية إثارةً للقلق في عصرنا هذا كما هو الحال في الإدمان على المخدرات. كما وأن الدراسات النفسية والعصبية الحديثة بدأت تكشف عن أوجه الشبه بين الإدمان الرقمي والإدمان على المخدرات من حيث الآليات الدماغية، الأعراض السلوكية، الآثار النفسية والاجتماعية والصحية وأن الشكلين من الإدمان يُمكن أن يحدثا تغييرات في بنية الدماغ ووظائفه، ويؤديان إلى أنماط سلوكية قهرية تضر بحياة الفرد.

 

تعريف الإدمان الرقمي:

الإدمان الرقمي هو الاعتماد القهري والمفرط على الأجهزة الرقمية أو الإنترنت أو تطبيقات الوسائط الاجتماعية، بشكل يؤثر سلبًا على الحياة اليومية، والصحة النفسية، والعلاقات الاجتماعية للفرد. ويتضمن هذا النوع من الإدمان استخدام الهواتف الذكية، الألعاب الإلكترونية، تصفح الإنترنت، أو التفاعل المفرط على منصات مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك وغيرها. وفق الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA)[1]

 

تشخيص الإدمان الرقمي

يظهر الإدمان الرقمي من خلال العديد من التغيرات الجسدية والعقلية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية بشكل سلبي عند استخدام الشخص للأجهزة الرقمية والمحتوى عبر الإنترنت بشكل مفرط وفقدان السيطرة. ومن الأكثر شيوعاً لهذا الإدمان:

 

  1. الاستخدام غير المنضبط للأجهزة الرقمية: الحاجة المستمرة للأجهزة الرقمية للوصول لوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
  2. صعوبات في إدارة الوقت: إن قضاء الفرد لفترات طويلة على الأجهزة الرقمية والانترنت يؤدي إلى تعارض في أداء واجباته ومسؤولياته (العمل ومراحل الدراسية والأسرة والحياة الاجتماعية والدينية)، وبالتالي يواجه صعوبة في إدارة وقته للقيام بهذه الواجبات والمسؤوليات.
  3. اضطرابات النوم: السهر لوقت متأخر من الليل على الأجهزة الرقمية يؤدي إلى اضطرابات في أنماط النوم، وبالتالي الشعور بالتعب وعدم النشاط في اليوم التالي.
  4. تراجع الأداء الأكاديمي والعملي: يقلل الإدمان الرقمي من إنتاجية الفرد في الدراسة أو في العمل من خلال التراجع في أداء واجباته لاهتمامه المستمر بالمنصات الرقمية.
  5. الحياة الاجتماعية: الاستغناء عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية لصالح التفاعلات عبر الإنترنت فقط. وهذا قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وزيادة الشعور بالوحدة.
  6. التغيرات المزاجية: يمكن ملاحظة تغيرات في الحالة المزاجية للإنسان مثل التوتر والقلق والاكتئاب.
  7. مشاكل في الصحة الجسدية: إن التعرض المطول للأجهزة الرقمية تؤدي إلى مشاكل صحية جسدية منها إرهاق العين وآلام في الرقبة والظهر. (الديسك)
  8. عدم الاعتراف بالوقت الحقيقي المستخدم: قد يلجئ المدمن الرقمي إلى إخفاء الوقت الحقيقي لاستخدامه الأجهزة الرقمية. وهذا يساعد لاعتياده على الكذب.
  9. الشعور بالقلق: ينتاب للمدمن الرقمي بسبب عدم تمكنه من الوصول إلى الأجهزة الرقمية أو الإنترنت الشعور بالقلق، وهذا مؤشراً قوياً على رغبته في مواصلة حياته الرقمية اليومية. ويمكن الاستدلال على المدمن بعد انقطاع الإنترنت لفترة ساعات أو أيام حيث يعيش حالة عدم الاستقرار والاضطراب والقلق تبدو بادية عليه.

 

أنواع الإدمان الرقمي:

  1. إدمان الألعاب الإلكترونية: إدمان الألعاب الرقمية هو اللعب غير المنضبط والمفرط للألعاب عبر الإنترنت أو خارجها. يظهر هذا النوع من الإدمان بشكل خاص في ألعاب الفيديو وألعاب الهاتف المحمول والألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت. يؤدي إدمان الألعاب إلى قضاء الأفراد وقتاً كافياً في ممارسة الألعاب مما يعرقل علاقاتهم الاجتماعية وتعليمهم وحياتهم العملية. (للعلم إن منظمة الصحة العالمية(WHO)    تعترف بأن إدمان الألعاب هو نوع من مشاكل الصحة العقلية).[2]
  2. إدمان وسائل التواصل الاجتماعي: الشعور بالرضا من خلال تصفح وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت وردود الفعل مثل الإعجابات والتعليقات مما يؤدي إلى زيادة الحاجة للقضاء وقت أطول ومستمر على الشاشات والتحقق من المنشورات.
  3. إدمان الإنترنت: الشعور الدائم بالحاجة إلى الاتصال بالإنترنت وبعدم الارتياح حين لا يتوفر ذلك، من أجل قراءة الأخبار ومتابعة المدونات والمنتديات وغيرها. وكلما زادت الاعجابات والتعليقات كلما ازداد المدمن رضا ويشعر بنصر وهمي.
  4. إدمان التسوق عبر الإنترنت: قضاء الفرد (خاصة النساء) وقتاً مستمراً على مواقع التسوق عبر الإنترنت بحيث يشعر بالرغبة في التسوق رغم عدم حاجته إليه. ملاحظة: قد يؤدي هذا النوع من الإدمان إلى مشاكل مالية (مديونية).
  5. إدمان الحصول على المعلومات: هو حالة وحاجة مستمرة لإجراء بحث عبر الإنترنت عن المعلومات والأخبار والتطورات الجديدة، والثقة بها حتى إن كانت خاطئة ومغلوطة.
  6. إدمان مشاهدة المسلسلات التلفزيونية والفيديوهات: إن هذا النوع من الإدمان يفقد الشخص السيطرة على المحتوى الذي يشاهده، وقد يبقى أمام الشاشة لفترات طويلة من الوقت وهو يقول (حلقة أخرى). ويلعب الـ "youtube" وباقي التطبيقات الأخرى هذا الدور من الإدمان.

 

كيف يبرز الإدمان الرقمي:

  1. البحث عن المكافأة والإشباع: توفر المنصات الرقمية إشباعاً فورياً من خلال التسبب في إفراز الدماغ للدوبامين (ناقلاً عصبياً مسؤول عن مركز السعادة في الجسم). فإن المكافآت الفورية مثل الحصول على إعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي أو الفوز بجوائز في ألعاب الفيديو أو العثور على حسومات على مواقع التسوق، تؤدي إلى أن يَتَعرف الدماغ على هذه المكافآت بأنها "جيدة" ويميل إلى استخدام الأجهزة الرقمية لتحقيق هذا الشعور مرة أخرى.
  2. سهولة الوصول: إن توفر المستمر للأجهزة الرقمية والقدرة على الوصول إلى الإنترنت في أي وقت يسهل الإدمان.
  3. الموافقة والتفاعلات الاجتماعية: يميل الفرد إلى الشعور بالقيمة من خلال التعليقات مثل الإعجابات والتعليقات والمشاركات التي يتلقونها في التفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإنترنت، وبالتالي يحفز الفرد إلى التحقق المستمر من حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.
  4. الرغبة في الاسترخاء: يلجأ الفرد إلى المحتوى الرقمي بهدف للاسترخاء والابتعاد عن المشاكل الحياتية اليومية والمتعبة. وغالباً ما تكون من خلال الأنشطة مثل مشاهدة مقاطع الفيديو وممارسة الألعاب المفضلة لديه.
  5. الوحدة والعزلة الاجتماعية: يمكن للفرد الذي يواجه صعوبة في بناء علاقاته الاجتماعية وشعوره بالوحدة أن يعبر عن نفسه بسهولة أكبر من خلال منصات الإنترنت.
  6. البداية المبكرة للعادات الرقمية: يتطور الإدمان الرقمي بشكل أسرع عندما يكون هناك وصول مفرط إلى الأجهزة الرقمية، خاصة في سن مبكرة. يمكن أن يصبح الأطفال والشباب مدمنين على العالم الرقمي عندما يكونون أكثر تعرضاً للألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو.

 

أضرار الإدمان الرقمي:

للإدمان الرقمي أضرار ومشاكل سلبية على الصحة العقلية والجسدية والنفسية والتربوية والاجتماعية لدى الأفراد. إن الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية قد يؤدي إلى مشاكل في النمو خاصةً عند (الأطفال والشباب). وعلى المدى الطويل يمكن أن تسبب هذه الأضرار مشاكل صحية وتربوية واجتماعية. ومن أكثر الأضرار السلبية للإدمان الرقمي ما يلي:
 

  1. مشاكل في الصحة العقلية: يؤدي الإدمان الرقمي إلى التشتت بسبب المتابعة المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي يجعل من الصعب تركيز الفرد على عملٍ محدد ومن تبعياتها:
  • التأثير النفسي (القلق والاكتئاب)
  • مشاكل في الثقة بالنفس على سبيل المثال متابعة الاعجابات والمتابعين على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة مقارنةً مع الآخرين. 
  1. مشاكل في الصحة الجسدية: قد يؤدي التعرض لفترات طويلة للشاشات الرقمية إلى:
  • مشاكل في العين (جفاف وإرهاق العين وعدم وضوح الرؤية).
  • اضطرابات في وضعية الجلوس وآلام الجسم: يسبب الجلوس الطويل أمام الشاشات الرقمية آلاماً في مختلف الجسم وخاصةً الرقبة والظهر.
  • اضطرابات النوم: إن المكوث أمام الأجهزة الرقمية وقضاء وقت طويل حتى أوقات متأخرة من الليل يساهم في عدم انتظام النوم جراء الضوء المبعث من الأجهزة وعدم إفراز هرمون الميلاتونين (هرمون في الجسد يؤدي دورًا في عملية النوم)، وبالتالي يؤدي إلى صعوبات  في النوم.
  • زيادة الوزن والخمول الجسدي: إن الجلوس المطول أمام الأجهزة الرقمية يقلل من النشاط الجسدي وقد يؤدي إلى زيادة في الوزن.
     
  1. تراجع في الأداء الأكاديمي والعملي: يؤثر الإدمان الرقمي سلباً على أداء الأفراد في المدرسة والجامعة وفي العمل، فينخفض المستوى الأكاديمي لدى الأطفال والشباب، كما وتنخفض إنتاجية العاملين بسبب عدم التركيز وإهمال المهام.
     
  2. الحياة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي الإدمان الرقمي إلى إضعاف العلاقات الاجتماعية (غياب تام أو شبه تام في التواصل) بين الأفراد، ولا يمكن للتفاعلات عبر الأجهزة الرقمية أن تحل مكان التواصل المباشر وقد يشعر الفرد بالوحدة.
     
  3. الاضطراب السلوكي: يتعرض الفرد لنوعين من الاضطراب السلوكي:
  • الغضب والتوتر: قد يسبب عدم الوصول إلى الأجهزة الرقمية أو الاضطرار إلى البقاء دون اتصال بالإنترنت إلى ردود فعل الفرد مثل الغضب والتوتر وعدم التحمل.
  • التحكم في الانفعالات: تتسبب الرغبة المستمرة بالأجهزة الرقمية إلى مشاكل في التحكم بالانفعالات فيواجه الفرد صعوبة في السيطرة وفي التركيز على المهام اليومية.
     
  1. المشاكل المالية: قد يؤدي إدمان التسوق عبر الإنترنت إلى نفقات غير ضرورية، بسبب  الفرص الجذابة التي توفرها منصات التسوق عبر الإنترنت (حسومات وغيرها) وهذا يؤثر سلبًا على الوضع المالي للفرد ويؤدي إلى المديونية.
     
  2. المشاكل التربوية: ضعف القيم، تبني ثقافة جديدة قائمة على التفلت الأخلاقي والتسطيح الفكري والابداعي.
     

طرق معالجة الإدمان الرقمي:

يُعد الإدمان الرقمي مشكلة شائعة حالياً في مختلف المجتمعات. فلذلك، لا بد من وضع اقتراحات وتوصيات للتخلص من هذا النوع من الإدمان، عبر اعتماد طرق وقائية مختلفة تتمثل بالتالي:

  1. تحديد فترة زمنية لاستخدام الأجهزة الرقمية: تحديد فترة استخدام الأجهزة الرقمية بساعات معينة وهي أحد الطرق الفعالة للحد من الإدمان الرقمي، وهذا بالحد الأدنى كي لا نقول الامتناع الكلي عن الأجهزة.
  2. تنظيم فترات الراحة: تتمثل بعدم المكوث الطويل أمام الشاشات الرقمية وتوفير الحركة الجسدية الدائمة.
  3. التشجيع على الأنشطة البديلة: منها التفاعلات الاجتماعية والترفيهية والرياضية و المشي في الطبيعة وممارسة الهوايات.
  4. الابتعاد عن الشاشات الرقمية خاصةً قبل النوم ليلاً.
  5. الدعم الاجتماعي: منها الدعم الأسري.
  6. تعزيز الدور التربوي لدى الأهل من خلال تعزيز السلطة الوالدية وتحديد قواعد الضبط داخل الأسرة لما فيه صلاحها.
  7. اللجوء إلى مختصين أو مراكز علاج خاصة بالمدمنين الرقميين.

في ظل هذه التحديات الخطيرة، لا يمكننا تجاهل مشكلة الإدمان الرقمي والإنترنت العميق حيث أنه لم يعد سلوك شائع بل هو اضطراب متكامل تتداخل فيه الجوانب النفسية والاجتماعية والصحية، فإن التصدّي لهذه الظاهرة تتطلب جهودًا متكاملة واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية في سبيل تحقيق التوازن الإيجابي.

 


1. DSM-5 – الجمعية الأمريكية للطب النفسي

مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا

  • shape
  • shape
  • shape
  • shape