التربية الأسرية في ظل الأزمات

نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 2 للعام 2025 وذلك عصر نهار الخميس بتاريخ 13-2-2025 م، تحت عنوان [التربية الأسرية في ظل الأزمات] (قدمه الشيخ د. محمد النمر).
تقديم الملتقى من قبل الشيخ د. محمد النمر قال فيه:
تُعدّ الأسرة المكوّن الطبيعي للحياة البشرية، إذ أنّها تشكِّل المنطلقَ الأساس لحياة الإنسان، والميدان الأول الذي ينشأ ويترعرعُ فيه، وتُشكل نواةً مصغّرةً عن المجتمع العام، حيث تتكوّن وتتشكّل السمات والخصائص الأوليّة لهوية المتربي، ومنطلقًا حيويًا لا غنى عنه في بداية الحياة الطبيعية له، بل عاملاً حيويًا في تكوين البعد المعنوي للإنسان، حيث قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم الآية رقم 21) ، فللأسرة دورها التربوي الأساس في حياة الإنسان وتنشئته، وتهيئة الظروف اللائقة له.
وتُعتبر التربية الأسرية إحدى الجوانب المهمة والضرورية لتهيئة المتربي وتشكيل هويته، وتساميه ليكون لائقًا في مراتب الحياة الطيبة، فالمتربي بما أنه فرد من أفراد أسرته، عليه واجبات اتجاهها، ولديه حقوق ينبغي تحصيلها، فيجب أن يبني أفضل العلاقات التبادلية مع مكوّناتها.
ولا شك أنّ للأزمات تأثيرًا مباشرًا على التربية الأسرية والأدوار داخل الأسرة، فكيف إذا كانت الأزمات ناتجة عن الحرب، حيث يعيش أفراد الأسرة حالات القلق والاضطراب والخوف وانعدام الأمن، وتستمر بعض هذه الآثار إلى ما بعد الحرب، فتبدأ الأزمات بالظهور داخل الأسرة ويعاني الوالدين من صعوبة التربية في ظل التحديات النفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، وهنا تؤدي عوامل عدة في إدارة الأزمة داخل الأسرة واستعادة الأسرة لدورها التربوي السليم منها التربية الإيمانية للأسرة وثقافة المجتمع ووجود حالات التكافل والتضامن مع ما واجهناه من تحديات في هذه الحرب خاصة على المستوى التربية الأسرية كان لا بد من طرح الموضوع لإبراز أهم المشاكل التي ستتأثر بها التربية الأسرية والأزمات التي ستواجهها وما هي سبل الحل أو المواجهة المقترحة خاصة من خلال التربية الايمانية .
لذلك يسرنا أن نستضيف في هذا الملتقى التربوي الشهري :
في القسم الأول: الدكتورة سحر مصطفى ستتناول موضوع المشاكل التربوية والسلوكية التي تواجهها الأسرة بعد الحرب. حيث ستجيب عن الأسئلة الآتية:
في القسم الثاني: سماحة الشيخ حسن الهادي سيتحدث حول دور التربية الإيمانية في تعزيز التربية الأسرية في الأزمات لنجيب عن الأسئلة الآتية:
المداخلة رقم 1: (د. سحر مصطفى/ لبنان)
بدأت الدكتورة سحر مصطفى كلامها بأنّ الحروب تولّد مشكلات اجتماعية والمشكلات يمكن أن تشكّل فرصة للنمو والتغيير نحو الأفضل.
ثم قامت باستعراض محاور هذه المداخلة والتي ترتكز على 3 أمور هي:
1- أبرز المشاكل التي تواجهها الأسرة بعد الحرب:
تساؤلات هامة:
هل هذه المشكلات هي نتيجة حتمية؟
ما هي المتغيرات التي تؤثر على قدرة الأسر على تخطي العديد من المشكلات؟
كيف تؤثر البنية العقائدية والثقافية للأسر على قدرتها على مواجهة المشكلات؟
2- الأسرة والهوية الجماعية للأبناء في ظل التغيرات التي فرضتها الحرب:
3- الأساليب التربوية والاجتماعية للتعافي من آثار الحرب:
الحرب كفرصة للنمو والرشد للأسر لها مفتاحان رئيسيان هما التربية على الصبر والتربية على الشجاعة، مما يساهم في تخطي معظم المشاكل التي تواجه الأسر خلال وبعد الأزمات.
ولذلك علينا التركيز على قاله سماحة السيد القائد (حفظه الله) عبر التركيز على "الحزن الباعث على العمل". حيث يتمحور هذا المفهوم حول تحويل الحزن إلى طاقة باعثة على العمل (كحزن عاشوراء مثلاً).
وكملاحظة أخيرة أكّدت الدكتورة سحر مصطفى بأننا خلال الأزمة لا نقوم بإجراء الدراسات، كي لا تكون النتائج ناتجة عن ردّات الفعل، فعلى سبيل المثال مجتمعنا حاليًا يعيش حالة حداد، فالجماعة في حالة حداد كما الأفراد، ولهذا علينا أن نترك لحالة الحداد أن تأخذ مجالها ووقتها الطبيعي، وبعد انتهاء هذه الحالة يمكن البدء بالدراسات كي تتسم نتائجها بالموضوعية.
المداخلة رقم 2: (الشيخ حسن الهادي/ لبنان)
بدأ الشيخ حسن الهادي كلامه بأنه سيركّز في مداخلته على ثلاث نقاط هي:
تمهيد
تمهيد:
تُعدّ الأسرة من الأنظمة الاجتماعية الأولى للمجتمعات البشرية، وهي قديمة قدم النوع الإنساني، مع وجود اختلاف بين علماء الاجتماع والأنثربولوجيا الدارسين لتاريخ النظم الاجتماعية ودور الإنسان في نشأة الأسرة وتطورها عبر التاريخ، حيث تنوعت النظريات في أصل هذه النشأة، ومع كل هذه التحولات التاريخية لم يطرأ على الأسرة تغيير جذري على مستوى الأهداف والوظائف الرئيسة، رغم القفزة الكبيرة والمتنوعة في العلوم الإنسانية؛ وهي ما زالت تحظى بمكانة مهمة في الاجتماع البشري، وتعبر عن النظام الأمثل لتلبية الحاجات المادية والنفسية والمعنوية للإنسان، بغض النظر عن النظرة الحقوقية والقيمية المضطربة إلى المرأة والأسرة من حيث المكانة والدور في غرب هذا العالم.
وتواجه الأسرة أزمات وتحديات بشكلٍ مستمر، فمثلاً أزمة الحرب ولّدت مجموعة من التحديات ابتدأت من سؤال لماذا لم ينصرنا الله تعالى؟ وكذلك ظهر سؤال حول دور الولي الفقيه والقيادة؟. فهذا تحدٍّ ولّدته الأزمة، وانعكست هذه الأزمة وهذا التحدي داخل الأسر، فنشأت تساؤلات كثيرة داخل الأسر وكلٌ يدافع عن وجهة نظره. والرد على هذه الإشكالات تكون من خلال التربية الإيمانية، فالعقيدة والإيمان هما من يجب ان يتحكّما بالسلوك.
وقبل الفهم الاصطلاحي الذي يختلف باختلاف الخلفيات والمدارس الفكرية التي تولد فيها، فقد حسمت اللغة العربية أن الأسرة هي الدرع الحصينة، وأسره أسرًا أي قيده وأخذه أسيرًا، وهو دليل على التماسك والقوة. ويقال: شد الله - تعالى - أسر فلان، أي قواه، وأحكم خلقه، وهيّأ له الأعوان الذين يؤيدونه وينصرونه. وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم. وتقال على عشيرة الرجل وأهل بيته.
1- إطلالة على مفهوم التربية الإيمانية:
التربية هي مجموع عمليات مركبة ومتداخلة فيما بينها ؛ يقوم فيها المربي قولاً وعملاً، بصناعة هوية المتربي (شخصيته)، أو تنمية استعداداته وقابلياته الخاصة، في جميع جوانبها (البدنية، القلبية، والعقلية). وبمختلف الأبعاد الحياتية (الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية و....)، بهدف إيصاله إلى كماله (الحقيقي أو الإضافي) المتوجه إليه، بشكل تدريجي، وبنحو مستدام، من خلال اعتماد مجموعة من الأصول والأساليب والتقنيات، المستخرجة من المصادر الإسلامية أو المنسجمة معها ، ويفهم من التشريعات الحقوقية والقيم التي أرساها الإسلام لبناء الكيان الأسري، والحرص على تشييده وفق القيم الإنسانية وأن إرادة الشارع منصبّة على بناء كيان أسري تربوي يستند على التربية الإيمانية الهادفة إلى هداية المتربي والاعتقاد بالدين الإسلامي الحق، والإيمان القلبي به، والالتزام العملي بتشريعاته الفقهية وقيمه الأخلاقية، وبناء خطوط علاقاته مع الله تعالى، والنفس، والآخر، ومع العالم والطبيعة، للوصول إلى مقام القرب من الله تعالى، وتحقيق الحياة الطيبة بجميع مراتبها.
فالتربية الإيمانية تبدأ من البنية العقائدية، حيث تشكّل هذه البنية الخلفية التي يتصرّف من خلالها الإنسان في بعده العملي، وهذا الانسجام يعبّر عن مرحلة تكامل التربية الإيمانية.
2- أنواع الأزمات وأشكالها وتأثيرها، مع التركيز على الحرب:
إن آثار الازمات والحروب لا تفرق بين فئات المجتمع، فآثارها تطال الصغار والكبار على حد سواء ، بل وتزيد معاناة الأطفال بعد تعرضهم للحرب وأثناء قيامها فقد يخسر الطفل والديه أو أحدهما، مما يجعله عرضة للتشرد والاكتئاب وفقدان الدعم التربوي والعاطفي الأسري.
وذلك لأن الحرب تغير نظام الأسرة ومجرى حياة الأطفال، فهم معرضون لفقدان كل ما له صلة ببيئتهم المحيطة، من الأبوين والأسرة والمنزل، إلى المدرسة والأصدقاء والأقارب، وهذا ما يحدث لهم في حال النزوح، كما أن تأثر الأطفال نفسياً وجسدياً أكبر عند إطلاق النار أو الشظايا أو الصواريخ، مما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض والإعاقات لما يصاحب حالة الحرب من هلع واضطراب وخوف.
وما أحوجنا في الحرب العدوانية القاسية والخبيثة التي شنها العدو الاسرائيلي على بيئتنا من العمل على عدّة أمور:
الإمكانيات والموارد المؤسسة تصنف ضمن مؤسسات الأمان الأسري والاجتماعي.
3- وظيفة التربية الإيمانية في تعزيز التربية الأسرية السليمة في الحرب وأساليب إدارة الأزمات داخل الأسرة:
لا شك في أن التشريعات الإسلامية المستندة إلى مِلاكات ترتبط بالمصالح والمفاسدة قد لحظت طبيعة التكوين الخلقي للإنسان، والقوى الداخلية للنفس الإنسانية، فإنّ الطبيعة البشرية بفعل حب الأنا - وما يلازمها من قوتي جذب اللذة ودفع الألم - تحرك الإنسان نحو كسب ما يلائمه وطرد ما ينافره، ما يؤدّي إلى تزاحم مصالح الفرد مع مصالح الآخرين، وتعارض رغباته مع رغباتهم، فتنشأ بسبب ذلك المشاحنات والنزاعات، فتكون المحصلة الفوضى واختلال نظام الأسرة والحياة، وهو ما يستدعي الاهتمام بعدّة أمور تعدّ كإجراءات لإدارة الأزمات:
إدارة الأزمات تعني الاستعداد لما قد يحدث، والتعامل مع ما قد حدث، وهذا ما يستوجب استخدام عدد من الأساليب لإدارة الأزمات داخل الأسر، وهي على الشكل الآتي:
مداخلات وأسئلة الحضور:
مداخلة رقم 1:
في سياق التحديات المعاصرة التي جلبتها العولمة وكافة عناصر الحداثة وما بعدها على مستوى البنية المعرفية للإنسان المعاصر، من حيث الزوال التدريجي والمتواصل للحدود الأيديولوجية بين البشر، وخلق الدول الغربية لأدوات معرفية كثيرة مدعّمة بذلك الإبهار الاستهلاكي والترفيهي والمادي... فالإنسان المعاصر الغارق تحت مطر متواصل من التطور التكنولوجي، خصوصًا منتجات الذكاء الاصطناعي الحالية والقادمة المتسارعة يزداد بؤسًا وضياعاً واستلاباً أكثر فأكثر على مستوى حريته الفردية والجمعية وعلى انتاج الفكرة والأيديولوجيا.
أليس التحدي الإيماني المعاصر، خصوصًا في الأسرة، أصبح أكثر تعقيداً، ودقّة، بحيثُ أنّ العبء التقليدي الذي كان على المربّي (الأسرة خصوصًا) لم يعد كافياً، فيما تزداد الحاجة أكثر فأكثر إلى صناعة مناهج تربوية أكثر قدرة على الفكر النقدي-التحليلي، مع كافة الأدوات التعليمية والتربوية التي تفتح للمتربي تدريجيا إمكانيات المواجهة مع هذا المد المعولم، والذي يمكّن المتربي من اتخاذ الموقف المناسب؟
فالأب والأم، أي الأسرة، لم تعد مقفلةً أبداً. بل هي الأكثر تعرضاً لهذه الموجة الحديثة من الحصار المعرفي الخانق. كما أن السلوكَ، كناتج تربوي، هو مزاحَمٌ من نماذجَ سلوكية مسبقة التخطيط من قبل المجتمعات المتقدمة تقنيًا وصناعيًا وعلمياً.. لذلك، تصبح صناعة السلوك الإيماني، قضية شائكة وأكثر دقّة.
نحن في حالة دفاع مستميت عن الأسرة، وفي حالة قتال كبير على امتلاك أدوات إنتاج الأسرة وإنتاج أدواتها المعرفية والتربوية... وإلا فالتيار جارف وقوي.
- مداخلة رقم 2 (سؤال): في التحديات الأسرية على المستوى الأعلى (فقدان القيادة) وخاصة شخصية سماحة السيد نصر الله (رضوان الله تعالى عليه). فكيف يمكن ملء هذا الفراغ لهذا الشخص العظيم الاستثنائي، فسماحته كان يتطرّق في خطبه للجوانب التربوية التي تمسّ الأسرة؟
الجواب (د. سحر مصطفى): نستطيع تشبيه هذه الجماعة التي فقدت القيادة كالأسرة التي فقدت الأب، فمجتمعنا قد فقد الأب التربوي الأكبر.
فصحيح أن فقدان السيد (رضوان الله تعالى عليه) هو كبير جدًا، ولكن سماحته قد أسس على مستوى أكثر من 35 عامًا الكثير من الإرث الذي يمكن من خلاله تخطي هذه الأزمة الكبيرة جدًا.
- مداخلة رقم 3 (سؤال): إذا لم نقم بالدراسات في لحظة الأزمات وعلينا الانتظار لحين الهدوء، بالتالي ستكون نتائج الدراسات غير دقيقة، فكيف السبيل لدقّة النتائج؟
الجواب (د. سحر مصطفى): الدراسات المقصود فيها دراسة للاحتياجات ولوضع خطط للتدخّل، هي دراسات صحيحة في لحظتها. أما الدراسات التي تتعلق بالمشكلات المستمرّة والتي تكون نتائجها طويلة الأمد، فهذه الدراسات هي التي بحاجة للتروّي.
تعليقات