Cancel Preloader
دراسات ومقالات المركز

الأمل والإبداع ما بعد الأزمات

الأمل والإبداع ما بعد الأزمات

الأمل والإبداع ما بعد الأزمات

 

مقدمة

تعد التربية على الأمل والتربية على الإبداع من القضايا الحيوية في أمتنا اليوم، خاصة في ظل التحديات والأزمات التي تواجهها، فهي السبيل الذي يجب أن ننتهجه لتجاوز نتائج أي مرحلة صعبة مررنا بها. ومن خلال البحث في القيم الإسلامية، يمكن أن نجد إشارات ودروس قيّمة تساعد في بناء الأمل وتعزيز الإبداع للتغلب على مصاعب ما بعد الأزمات. لذا، سنستعرض كيف يمكن أن تسهم تربيتنا لأنفسنا ومن حولنا على الأمل وعلى الإبداع من وجهة نظر إسلامية في تجاوز الأزمات وبناء مستقبل أفضل.

 

أولاً – تبني ثقافة الأمل

الأمل هو شعور إيجابي يدفع الإنسان نحو الطموح والعمل على تحقيق أهدافه. في الإسلام، يعتبر الأمل من القيم الأساسية التي تشجع على الصبر والثبات في مواجهة الصعاب. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح: 6). هذه الآية تعكس روح الأمل والتفاؤل بأن الفرج يأتي بعد الشدة.

 

ويذكر القرآن الكريم العديد من القصص التي تعزز الأمل في نفوس المؤمنين. فعلى سبيل المثال، قصة النبي يوسف عليه السلام الذي تعرض للعديد من الصعاب والابتلاءات، ولكنه بفضل الله وصبره وأمله تمكن من تحقيق النصر والنجاح. هذه القصص توفر لنا نماذج حية عن كيفية الاستمرار في الأمل والتفاؤل في مواجهة التحديات. كما كان النبي محمد صلى الله عليه وآله يبث الأمل في نفوس أصحابه خلال أصعب اللحظات. ففي غزوة الخندق، ورغم الحصار الشديد، كان يؤكد أن النصر قادم بفضل الله. هذه الروح التفاؤلية كانت تُلهم المؤمنين وتدفعهم للمثابرة والعمل الجاد لتحقيق أهدافهم.

 

ولتحقيق ذلك لا بد السعي لتحقيق الآتي:

  1. تعزيز الثقة بالله: من أهم عناصر التربية على الأمل هو تعزيز الثقة بالله والاعتماد عليه في كل الأمور. فاستحضار أن الله تعالى هو المفرج عن كل كرب تكون الانطلاقة. ويتفرّع عنها الاعتقاد بأن الأزمات هي جزء من الحياة وأنه بالإيمان والعمل يمكن تجاوزها وما تشير إليه الآية الكريمة هو خير مصداق: "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ" (التوبة: 51-52).
  2. النماذج الإيجابية: الاقتداء بنماذج من الأشخاص الذين تغلبوا على الصعاب وحققوا النجاح رغم الظروف القاسية. ويمكن استخدام قصص الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام كأمثلة قوية تبث الأمل في النفوس. وخير نموذج يمكن أن يقتدى به هو رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الأحزاب: 21)، أو على سبيل المثال في قصة سيدنا موسى عليه السلام الذي واجه فرعون وتمكن بفضل الله من إنقاذ بني إسرائيل.
  3. التعليم والتحفيز: التعليم يلعب دوراً هاماً في بناء الأمل، وذلك من خلال تقديم مناهج تعليمية تحفز على التفكير الإيجابي وتشجع على مواجهة التحديات بروح متفائلة. فيمكن أيضاً المشاركة في ورش عمل ودورات تدريبية تركز على كيفية التعامل مع الأزمات بإيجابية. يمكن أن تشمل هذه الورش تعليم تقنيات التفكير الإيجابي والاستراتيجيات العملية للتغلب على التحديات.
  4. التواصل والدعم الاجتماعي: وذلك عبر تعزيز الروابط الاجتماعية والدعم المتبادل بين أفراد المجتمع. حيث تشكل الأسرة والأصدقاء والمجتمع المحيط مصادر قوية لدعم الأمل والتفاؤل. كما أن المشاركة وتنظيم فعاليات اجتماعية تعزز الروابط الأسرية والاجتماعية يساهم في بناء مجتمع متكافل ومترابط ويعود بالنفع على المنظمين والمشاركين على حدٍ سواء.
  5. بناء العقلية الإيجابية: وذلك عبر:
    • التركيز على الجانب المشرق: تدريب النفس على البحث عن الإيجابيات حتى في المواقف الصعبة. الإيجابية لا تعني إنكار الواقع، بل محاولة رؤية الفرص الممكنة في كل تحدٍ.
    • محاربة الأفكار السلبية: مراقبة الأفكار التي تدور في الذهن ومواجهتها بخطط وإجراءات بدلًا من السماح لها بالسيطرة على المشاعر.

 

 

ثانياً – السعي للإبداع والابتكار:

الإبداع هو القدرة على التفكير في حلول جديدة ومبتكرة للتحديات والمشكلات. وفي الإسلام، يعتبر الإبداع من القيم الهامة التي تعزز التقدم والازدهار. يقول الله تعالى: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (آل عمران: 191). هذه الآية تحث على التفكير والتأمل في الكون، مما يعزز روح الإبداع. ويقول سماحة السيد علي الخامنائي (حفظه الله): "أظهروا ما استطعتم الابتكار والإبداع، واختاروا الطرق الأقصر. أنتم تستطيعون، ويجب أن تؤمنوا بأنّكم تستطيعون؛ كما استطعتم من قبل". (1995/9/27). فالإبداع ليس مجرد مهارة ترفيهية، بل هو عصب رئيسي لتحقيق التطور والابتكار في حياة الأفراد والمجتمعات. إنه الطاقة التي تجعلنا نتحدى ما هو تقليدي ونبتكر حلولاً وطرقًا جديدة لمواجهة التحديات. الإبداع يتطلب تنمية وجهودًا مستمرة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.

ويبدأ الإبداع من الذات، وكل فرد لديه القدرة على أن يكون مبدعًا إذا أُتيحت له الفرصة والظروف المناسبة. ولتحقيق ذلك، هناك عدد من الخطوات التي يمكن للفرد اتباعها:

  • استكشاف مصادر جديدة للمعرفة: اعتماد القراءة المستمرة ليست فقط لتوسيع المدارك، ولكن لتوفير زاد معرفي يشكل قاعدة للأفكار الجديدة.
  • التفكير خارج الصندوق: فالنظر إلى الأمور من زوايا غير تقليدية يُعد تمرينًا فعالًا لتنمية مهارات الإبداع. يمكن للفرد أن يسأل أسئلة غير مألوفة ويبحث عن حلول غير اعتيادية لأي مشكلة تواجهه.
  • ممارسة الأنشطة الإبداعية بانتظام: الرسم، والكتابة، والحياكة، وأداء الأعمال بطرق مبتكرة، كل هذه الأنشطة تساعد في تحفيز العقل وتطوير قدرات الإبداع. كما أن تحدي الذات بتعلم مهارات جديدة يعزز هذه الجوانب.
  • التخلص من الخوف من الفشل: يمكن أن يكون الخوف من الفشل عائقًا كبيرًا أمام الإبداع. لذا، من الضروري تذكير النفس بأن الفشل خطوة في طريق النجاح، وأن الأفكار قد تحتاج إلى تعديل وتجربة قبل أن تصبح مثالية.
  • استثمار وقت للتأمل والاسترخاء: في عالم مليء بالصخب، يحتاج العقل إلى وقت من الهدوء للتأمل وترتيب الأفكار. هذا لا يساعد فقط في التفكير بوضوح، بل يمنح الفرصة لإنتاج أفكار مبتكرة.
  • تعزيز الصحة النفسية والعاطفية، وذلك عبر التعبير الفني، فالفنون يمكن أن تكون وسيلة قوية للتعبير عن المشاعر والتخفيف من التوتر. الرسم، الكتابة، والموسيقى هي بعض الوسائل التي يمكن استخدامها.
  • إيجاد فرص جديدة: يمكن أن يفتح التفكير الإبداعي أبوابًا جديدة للفرص المهنية. على سبيل المثال، يمكن للفرد تطوير فكرة مبتكرة لشركة ناشئة أو مشروع تجاري.
  • إدارة الوقت: يمكن استخدام الإبداع في تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة الوقت وتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.

 

في الختام، يمكن القول إن التربية على الأمل والتربية على الإبداع تعتبران من الركائز الأساسية لتجاوز ما بعد الأزمات. من خلال تعزيز القيم الإسلامية والعمل على بناء الثقة بالله وتحفيز التفكير النقدي والابتكار، يمكننا بناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح. يمكن للتعليم والدعم الاجتماعي والمبادرات المجتمعية أن تلعب دوراً حاسماً في تحقيق هذا الهدف.

مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا

  • shape
  • shape
  • shape
  • shape