دراسات ومقالات المركز
التحصيل الدراسي وأساليب التقييم في فترات الحروب والأزمات
المقدمة
تمرّ العملية التعليمية بعدّة مراحل حيث تنطلق من وضع السياسات وفلسفة التربية التي تتبع لها، ثم يليها مرحلة التخطيط من قبل المعلّم ومن يعنيهم الأمر من تربويين وغيرهم للبدء بهذه العملية على أسس سليمة، يليها مرحلة التنفيذ داخل وخارج الصفوف من خلال عملية التعليم-التعلم، وأخيرًا مرحلتي التقييم والتقويم.
ويقع التحصيل الدراسي وتحديد مستوياته في مرحلة التقييم، حيث يتم تقييم مخرجات وأهداف واحتساب مستوى تحقيق مؤشرات أهداف العملية التعليمية-التعلمية داخل النسق التعليمي (مدرسة، جامعة،..إلخ).
والسؤال الذي يطرح نفسه هل عملية التقييم وأساليبها (المتعلقة بالتحصيل الدراسي) يجب أن تختلف ما بين فترات الهدوء من جهة وفترات الحروب والأزمات من جهةٍ أخرى؟
تعريف التحصيل الدراسي
يُعتبر التحصيل التعلّمُي من أهم وأبرز مخرجات المنظومة الأكاديمية التربوية، ويعتبر قياسه بطريقة علمية وموضوعية عملية أساسية يُعتَمَد عليها في اتخاذ القرارات التربوية على المستوى المدرسي والوطني. لذلك تقوم الكثير من الدول بعملية قياس رسمية دورية للتحصيل التعلّمُي في نهاية كل مرحلة من مراحل التعليم بناءً على امتحانات رسميّة موحّدة، بهدف قياس حصيلة ما اكتسبه التلامذة من معارف وكفايات، ومقارنته بالأهداف التربوية التي تنصّ عليها مناهج التعليم الرسمية. وهذه وسيلة هامّة لقياس وتحسين جودة التعليم وللحكم على المنظومة التربوية لناحية فعاليتها وكفاءتها وقدرتها على مواكبة التطورات المعرفية والعلمية والأكاديمية والتربوية العالمية (منصور، بلا تاريخ).
التحصيل الدراسي هو عبارة عن النتائج الدراسية التي يحصّلها التلميذ أو الطالب خلال الاختبارات المعرفية التي يقوم بإجرائها الأساتذة لهم، ونتائج هذه الاختبارات هي التي تمكنهم من الانتقال من مرحلةٍ تعليمية لمرحلةٍ تعليمية أخرى (ربيعة، 2021، صفحة 55).
التحصيل الدراسي هو مجموع الدراسات والنتائج التي يتحصّل عليها التلميذ أو الطالب عقب استجابتهم على أسئلة الاختبارات المعرفية التحصيلية بشكل عام وفي مستويات بلوم للمعرفة بشكل خاص وتحديدًا فيما يتعلق بالتذكر والفهم والتطبيق (الشمري، 2025، صفحة 6).
هي المعلومات والتجربة والخبرات التعلميّة المفروض أن يحصّلها التلاميذ في المدرسة (ببه، 2019، صفحة 56).
فإذًا ومن خلال كلّ ما تقدّم يمكن تعريف التحصيل الدراسي بأنه المخرجات الكميّة والنوعية التي يمكن من خلالها قياس المستوى الأكاديمي والتربوي الذي يبلغه التلميذ/الطالب بعد مروره بالعملية التعليمية الأكاديمية، فبمعنى آخر، هو ما اكتسبه التلميذ/الطالب من معارف، ومهارات، واتجاهات وقيم في مادة أو مجموعة من المواد الدراسية وفي النظام العام الخاص بالمدرسة أو الجامعة التي ينتسب إليها.
والسعي واكتساب المعارف والاستفادة من أرزاق الله تعالى ومنها رزق تحصيل العلم هو أحد نعم الله تعالى على الإنسان ، وقد أكرم الله تعالى الإنسان من خلال تهيئة الوسائل والحواس (وأولها العقل) المُستقبلة لمختلف العلوم والمعارف وتحليل المعلومات، والتفكّر بخَلقه، بسم الله الرحمن الرحيم "الَّذينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ" (القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 191).
كيفية قياس التحصيل الدراسي
هناك عدّة وسائل يتمّ اعتمادها عادةً لقياس التحصيل الدراسي والتي من أهمها وأكثرها اعتمادًا في الأنظمة التعليمية الآتي:
- الدرجات والاختبارات التشخيصية والتكوينية والختامية، بأشكالها المختلفة (اختبارات تقليدية كتابية، شفهية، مقالية، عملية، موضوعية،..إلخ).
- المشاريع والتقارير العلمية والمبنية على الفنون كالرسم وصناعة النماذج العلمية.
- نسبة المشاركة الصفيّة ومستوى انخراط التلميذ/الطالب بالعملية التعليمية-التعلميّة. حيث "تعمل المشاركة على تنمية الذكاء والتفكير لدى التلميذ" (ببه، 2019، صفحة 65).
- مستوى الانضباط الصفي.
- مستوى الالتزام بالنظام المدرسي، داخل الصف وخارجه.
- عدد مرات التغيّب خلال العام الدراسي (بعذر أو بدون عذر).
أهمية التحصيل الدراسي
- يُعد مؤشرًا لتبيان وقياس مستوى نجاح العملية التعليمية بشكلٍ عام، على مستوى الصف ككل، وعلى مستوى المدرسة-الجامعة ككل، وعلى مستوى النظام التعليمي بكامله.
- يساعد في تحديد نقاط القوة والضعف على المستوى الخاص، أي لدى الطالب بشكلٍ فردي.
- يستخدم في اتخاذ قرارات تربوية مثل الدعم أو التوجيه أو التعزيز، من قبل أصحاب القرار التعليمي والتربوي (المعلّم، المرشد المدرسي، الناظر، المنسق التعليمي،..إلخ).
- يساعد التحصيل الدراسي على إبقاء المتعلّم في حالة تنبّه ويقظة للعلوم التي يتحصَّل عليها، لأنّه سيتم اختباره بها لاحقًا.
- يساعد التحصيل التعليمي (خاصةً إن كان مبنيًا على مفهوم العدل الذي هو أصل إلهي من أصول الدين الإسلامي المحمدي الأصيل) في أن يُعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه ورِفعَتُه بناءً لجهوده، حيث يقول الله تعالى في محكم كتابه المبين، بسم الله الرحمن الرحيم "قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ" (القرآن الكريم، سورة الزمر، الآية 9).
أهداف التحصيل الدراسي (منصور، بلا تاريخ)، (تيسير، 2023)
- التأكد من جودة التعليم والتعلّمُ، أي مدى توافر الجودة في المنظومة التعليمية بشكلٍ عام، وذلك من خلال دراسة مخرجات النظام وتحليلها.
- تزويد واضعي السياسات التربوية وأصحاب القرار (بدءًا من المعلم وصولاً لأعلى سلّم راسمي السياسات التربوية المحليّة والعالمية) بالمعلومات اللازمة، لوضع الخطط ورسم السياسات وتصميم المناهج.
- تحسين المناهج والبرامج التعليمية لكي تصبح أكثر مُلاءَمَةً لحاجات المتعلّمِين، وأكثر انسجامًا مع متطلّبِات التنمية الإنسانية.
- تحسين عملية التعليم/التعلّمُ، من خلال تطوير كفايات المعلِّمين عبر ممارستهم لعملية التقييم، مما يجعل المعلم يقوم بالنقد والتقييم الذاتي لمستوى جودة التعليم الذي يقدّمة لتلامذته-طلابه.
- توفير الاختبارات المقّنَنة التي تساعد المعلّمِين على إجراء التقييم التشخيصي، وتحديد الصعوبات ووضع برامج الدعم المناسبة (الجماعية والفردية) أو سَدّ الثغرات وتوجيه الأنشطة الصفّيِة.
- الحصول على المقارنة الموضوعية بين مستويات التحصيل لدى التلاميذ-الطلاب، لمعرفة مستوى التباين بين التلاميذ-الطلاب بناءً على متوسط حسابي ومعايير علمية واضحة ودقيقة.
- إمكانية المقارنة بين سنة دراسية وأخرى، عن طريق استعمال النماذج نفسها على عينات من التلامذة أو عبر استخدام نماذج تتبعية مختلفة لمجموعات محدّدة من عامٍ دراسي لآخر.
- تنويع وضعيّات التعلّمُ واستراتيجياته، بحيث تتلاءم مع الاستعدادات المختلفة، أي تطبيق مبادئ التعليم المتمايز.
- يُعتبر التحصيل الدراسي والحصول على شهادات تعليمية مؤهلًا أساسيًا للتقدّم والحصول على الكثير من الوظائف والمهن، فعادةً ما يكون لدى أصحاب الشهادات العليا مروحة خيارات أوسع في سوق العمل من أصحاب الشهادات الأقل علميًا، وفي نفس الوقت يحصلون على فرص عمل ذات ظروف أفضل وأجور أعلى.
- يساهم التحصيل الدراسي في توسيع آفاق الفرد وزيادة فهمه للعالم والمجتمع من حوله، حيث أنّه من خلال التعلم يكتسب الفرد المعرفة بالعلوم والتاريخ والثقافات المختلفة، مما يمكنه من تطوير رؤية شاملة للعالم وتزيد من مستوى وعيه وتقبّله للآخر المختلف عنه.
- يعزز التحصيل الدراسي الثقة بالنفس والاستقلالية في اتخاذ القرارات، فعندما يحقق الفرد التقدم في مسيرته التعليمية، يشعر بثقةٍ أعلى في قدرته على تحقيق الأهداف والتغلب على التحديات التي تواجهه في الحياة العملية على وجه الخصوص. كما يعطيه الفرصة لاتخاذ قرارات مستقلة والمشاركة بفعالية في الحياة المجتمعية المحيطة به.
التحصيل الدراسي وأساليب التقييم في فترات الحروب والأزمات
من المؤكد أن عملية التقييم لمستوى التحصيل الدراسي يجب أن تتغيّر ما بين الأحوال الطبيعية (عدم وجود أزمات وحروب)، والحالات الطارئة (وجود الأزمات والحروب، واستمرار أثرها).
ففي هذه الفقرة سيتم اقتراح مؤشرات وطرق قابلة للتطبيق تساهم في وجود مرونة في عملية التقييم خلال المراحل والأوقات الاستثنائية.
فمرحلة الأزمات والحروب هي مرحلة استثنائية، وبالتالي هذا ما يجب أن يستلزم وجود تقييم استثنائي، مختلف عن التقييم التقليدي الحاد القائم بشكل أساسي على الاختبارات.
فالمقترح البديل للتقيم في زمن الأزمات والحروب أو حتى مرحلة استمرار مفاعيلها، هو على الشكل الآتي:
- استمرار العمل بالاختبارات التقليدية ولكن على أن لا يكون هو المعيار الأساسي للنجاح والرسوب (يجب أن لا تشكل هذه الاختبارات أكثر من 50% من العلامة الكليّة).
- عدم اعتماد المشاريع المُكلفة ماديًا (نماذج إلكترونية ذات كلفة عالية، مشاريع يدوية بحاجة لمواد أولية صعبة التوفّر،..إلخ)، لأنّ فترات الأزمات والحروب هي فترات ضاغطة اقتصاديًا من خلال تغيّر الأولويات، واستبدالها بالمشاريع ذات الكلفة المادية المنخفضة (مثلاً مشاريع يمكن تطبيقها على الهاتف، مشاريع على لوحة ورقية بسيطة،..إلخ).
- وضع علامات بنسبة 30%-35% (على سبيل المثال) لمجرد حضور الطالب إلى الصف، وخاصةً في المناطق التي تشهد توترات أكثر من غيرها، فمجرد حضور الطالب إلى الصف في هذه الظروف الصعبة جدًا أمنيًا وجغرافيًا ومناخيًا..إلخ، تستلزم أخذها بعين الاعتبار إن كان بناؤنا التعليمي مبني على التأصيل التربوي الإسلامي الذي من أُسسه قاعدة العدالة. فليس من العدل معاملة الطالب في مناطق الأزمات والنزاعات نفس معاملة الطالب في مناطق الهدوء النسبي.
- مراعاة مستمرّة أو وضع علامات إضافية للطلاب الذين يمرّون بأوضاع نفسية أو اجتماعية صعبة:
- استشهاد أو جرح أحد الوالدين أو الأخوة أو الأعزاء.
- تهدّم منزل التلميذ-الطالب.
- نزوح التلميذ-الطالب من مكانٍ لآخر.
- وجود مستوى قلق مرضي نفسي مرتفع عند التلميذ-الطالب.
- ضرورة تغيير معايير التصحيح من خلال التأكد من أن مستوى الاختبارات التقييمية تتناسب مع القدرات والقابليات النفسية والتعليمية التي يحملها التلميذ-الطالب، فليس من الصحيح اعتماد نفس الاختبارات بمستوياتها المعرفية والتحليلية المرتفعة في ظل ظروف استثنائية.
- ترابطًا مع النقطة السابقة، ليس من الصحيح أيضًا اعتماد نفس الاختبارات بمستوياتها المعرفية والتحليلية المرتفعة في ظل التغيّر في طريقة التعليم-التعلم (من الحضور المباشر إلى التعليم-التعلم من بعد online)، فالتعليم من بعد يختلف بشكلٍ كبير عن التعليم الحضوري خاصةً فيما يتعلق من ناحية التفاعل الإنساني وإمكانية وكفاءة وجودة التغذية الراجعة التقويمية المباشرة التي يقدّمها المعلّم عادةً داخل الصفّ. فالسؤال هل من الصحيح أن يتم التقييم الصّلب التقليدي نفسه مع مُدخلات مختلفة؟
الخاتمة
المقترح البديل لتقييم التحصيل الدراسي في زمن الأزمات والحروب أو حتى في مرحلة استمرار مفاعيلها، هو ليس دعوةً للتراخي أو لتقديم التسهيلات للتلميذ-الطالب من قبل المعلّم أو القيّيمين على التربية والتعليم، بل هي دعوةٌ للتفكّر بواقعية أمام هول التغيّرات المحيطة بمجتمعاتنا (خاصةً المجتمعات المقاوِمَة للظلم)، فليس من الصحيح التّفكير بنفس الأسلوب واعتماد نفس الوسائل والتقنيات التقييمية الصلبة، مع وجود تغيّرات جوهرية وكبيرة بالمدخلات المتعلقة بالعملية التعليمية-التعلمية.
وعليه فهذا التغيير المقترح المطلوب هو نتيجة للتمكّن من مجاراة هذه التغيرات ليكون التقييم أكثر عدالةً ومصداقيةً وواقعيةً، مما يزيد من مستوى الحافزية خاصةً في الظروف الاجتماعية والتربوية الصعبة التي يمر بها تلامذة وطلاب المجتمعات المقاومة للظلم والطغيان.
لائحة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- الشمري, ح. (2025). أثر البرامج التربوية المعتمد على ما وراء التعلم في تحسين التحصيل الأكاديمي ورفع التحصيل الأكاديمي. المجلة الالكترونية الشاملة متعددة التخصصات(83).
- ببه, ف. (2019). العلاقة التربوية ودورها في التحصيل الدراسي. الوادي - الجزائر: رسالة ماستر في علم اجتامع التربية في جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي.
- تيسير, م. (2023, تشرين الثاني 6). أهمية التحصيل الدراسي وأنواعه والعوامل المؤثرة فيه. Retrieved تشرين الأول 30, 2023, from المدونة العربية https://blog.ajsrp.com
- ربيعة, ص. (2021). طرائق التدريس وعلاقتها بالتحصيل الدراسي للطالب الجامعي. بسكرة - الجزائر: رسالة ماستر في علم اجتماع التربية جامعة محمد خيضر بسكرة.
- منصور, ن. (n.d.). قياس التحصيل التعلّمُي والمنظومة التربوية. Retrieved تشرين الأول 30, 2025, from المركز التربوي للبحوث والإنماء https://www.crdp.org/magazine-details1/649/438/437
آخر تحديث : 2025-12-17
الكلمات المفتاحية للمقال:
تعليقات