Cancel Preloader
ندوات المركز

دور القائد القدوة في التربية على المقاومة - الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنموذجًا

دور القائد القدوة في التربية على المقاومة - الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنموذجًا

التقرير العلمي للملتقى التربوي رقم 7 للعام 2025

[دور القائد القدوة في التربية على المقاومة - الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنموذجًا]

 

نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 7 للعام 2025 وذلك عصر نهار الخميس بتاريخ 13-11-2025 م، تحت عنوان [دور القائد القدوة في التربية على المقاومة - الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنموذجًا] (قدمه د. عبد الجواد قصير).

  • المداخلة رقم 1: الكشاف وبناء المجتمع المقاوم: قيم وتربية وانتماء (الشيخ نزيه فياض / لبنان)
  • المداخلة رقم 2: البنية القيمية للتربية على المقاومة في الساحة الجامعية (أ. د. حسين رحال / لبنان)

 

تقديم الملتقى من قبل د. عبد الجواد قصير:

نلتقي اليوم في هذا الملتقى التربوي الذي يحمل عنوانًا بالغ الدلالة: "دور القائد القدوة في التربية على المقاومة، الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنموذجًا". وهو عنوان لا يشير إلى شخصية فاعلة فحسب، بل يفتح أمامنا أفقًا تربويًا متكاملاً امتد على مدى ثلاثة عقود من العمل الدؤوب، الذي أشرف من خلاله الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) على بناء الإنسان وصياغة الوعي ورعاية المؤسسات التعليمية والتربوية في مشروع المقاومة.

 

منذ منتصف التسعينيات، تولى الإشراف والرعاية والتوجيه المستمر لمؤسسات عدّة في الشأن التربوي، بدءًا من المؤسسات التعليمية، وفي مقدمتها المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم (مدارس المهدي (عج))، وجمعية كشافة الإمام المهدي (عج)، بالإضافة إلى المؤسسات والهيئات الشبابية والاجتماعية والأنشطة الطلابية الجامعية. وقد أبصرت على يديه النور مؤسسات تربوية عدة، في مقدمتها مركز الأبحاث والدراسات التربوية وجامعة المعارف.

 

لم يكن هذا الإشراف إشرافًا إداريًا شكليًا، بل كان متابعة دقيقة ودعمًا مباشرًا وتوجيهًا تربويًا وفكريًا أسهم في تحويل هذه المؤسسات إلى ركائز أساسية في بناء مجتمع المقاومة. فالقدوة في فكره ليست خلقًا إضافيًا، بل هي لغة التربية الحية بحسب تعبيره، تعطي نموذجًا يُرى ويُحتذى. وهو الذي، بتجربته وخطابه، كان القدوة التي تجسد القيم الإسلامية لا يدعو إليها فقط.

 

في رؤيته التربوية، تربط التربية على المقاومة بين الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع، فهو أشار إلى أن التربية الأسرية المحافظة هي الأساس في تشكيل هذه المقاومة، وأن الكشاف شجرة طيبة متعمقة ومتجذرة في الفكر والثقافة والتربية داخل مجتمعنا. رأى أن البنية القيَمِيّة في المؤسسات التعليمية يجب أن تضم معرفة ووعيًا وانتماءً، لا أن تكون مجرد تحصيل أكاديمي.

وفي الجامعات، اعتبر الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أن الطالب ليس متلقِّيًا بل فاعلًا مقاومًا، والمعرفة شرط للمقاومة، وإن معركة الوعي في الحرم الجامعي لا تقل أهمية عن أي معركة أخرى.

 

لقد اخترنا في هذا الملتقى أن ندرس هذا الدور من خلال نموذج حاضر ومؤثر في المشهد التربوي والاجتماعي، حاضر رغم غياب الجسد، لنقرأ معًا هذا النموذج التربوي ليس فقط للاستذكار، بل للتطبيق. ليس لنشيد به فحسب، بل لنستنبط منه معالم العمل التربوي، حيث يقع على عاتقنا أن نكون قادة تربويين قدوة، وأن نستشعر أن التربية على المقاومة مسؤولية تُزرع في الأسرة وتتعزز في الصف والكشاف وتترسخ في الجامعة وتزهر في المجتمع.

 

لقد أعطى سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) اهتمامًا خاصًا بمركز الأبحاث والدراسات التربوية وعناية مركزة لنتاجه العلمي منذ انطلاقته، مرورًا بمسار إعداد وإقرار الوثيقة التربوية، وصولًا إلى إعلان نتائج الدراسات التي أنجزها المركز خلال السنوات العشر الماضية. وفي هذا السياق، نعرض مقطعًا من كلمة له في آخر ملتقى تربوي كان هو (رض) المتحدث فيه، وكان في عام 2024 م تحت عنوان "التربية على المقاومة".

 

كلمة فيديو الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض):

إن الثقافة الأسرية الناجحة تشكل الحصن والمرجع، وبالتالي فإن ما يُصطلح عليه اليوم ببيئة المقاومة، أي مجتمع المقاومة، تشكل فيه الأسرة البناء الأولي والأساسي.

فعندما نتكلم عن مجتمع المقاومة الذي يواجه كل هذه الحملات اليوم، لو لم يكن مجتمع المقاومة قويًا، لما أمكننا أن نصمد في جنوب لبنان. مجتمع المقاومة، لو لم يكن قويًا، لما أمكننا أن ننتصر على التكفيريين. مجتمع المقاومة، لو لم يكن قويًا، لما أمكنه أن يقف بوجه كل هذه الحملات الخبيثة واللئيمة والشرسة على المقاومة وعلى سلاحها وعلى أبنائها وعلى ثقافتها وعلى كل شيء.

 

إذاً، نحن بحمد الله تعالى نعيش في هذا المجتمع القوي، مجتمع المقاومة. وأحد أهم مصادر قوته هي الأسرة المقاوِمة التي تنتمي إلى هذه الثقافة والتي تقوم بهذه الأدوار. وقد تكون إحدى موارد الخطأ حينما نهمل هذا الجانب لحساب عوامل أخرى، فنحن لا ننكر العوامل الأخرى، لكن البناء الأمثل يكون بالأسرة.

فالبناء الأمتن، مع احترامنا للدورات الثقافية وللدورات العسكرية ولكل شيء، فكل هذه التشكيلات هو أمر عظيم جدًا في منطقنا وفي برامجنا، لكن أعتقد أن البناء الأمتن والأصلح للمجتمع المقاوم هو الذي يعتمد على الأسرة المقاوِمة، فإنها تغني عن مئات وآلاف الدروس والمحاضرات والتوجيهات. وما ذكرته هو التطلع نحو النموذج، وهذا لا يلغي النسبية في النتيجة، فكلما غفلت الأسرة عن قيمة من قيم العمل المقاوم، تدنت النسبة في التأثير بحسب غياب أي قيمة من هذه القيم. وهنا علينا الانتباه بأنّ ما يفوت الأسرة ليس دائمًا قابلًا للتعويض، فما يفوت الأسرة أحيانًا قابل للتعويض وأحيانًا لا يقبل التعويض. ولذلك فهذه القيم حينما تُبنى وتُحفَظ في ظل الأسرة ستكون حتمًا أكثر تماسكًا وسلامة. لهذا كله، كخلاصة في ظل أسرنا المقاومة وثقافة أسرنا الأصيلة والمقاومة، نحن نعيش في زمن، هو زمان الهناء الأسري.

 

راجعوا الإحصاءات والمعلومات حتى لا يبالغ أحد، فهناك مشاكل في الأسر، ومن الطبيعي أن يكون هناك بعض الانحرافات، لكن بالعموم، الموجود في مجتمعنا هي أسر محافظة متدينة تحافظ على أبنائها. طبعًا هذا لا يعني أنها غير معرضة للمخاطر، فكل الأسر معرضة للخطر، حتى الأسرة المتماسكة والقوية والمتينة دينيًا وأخلاقيًا والمقاوِمة، هي أيضًا معرضة للخطر، يعني الخطر يهدد الجميع.

أما على مستوى المشهد العام، فنحن بحمد الله عز وجل فالأمور جيّدة، وهذا لا يدعونا إلى التراخي، بل يدعونا إلى مزيد من العمل لتحصين هذه النقطة، نقطة القوة، وهي نقطة ارتكاز في كل مجتمعنا المقاوم ونقطة ارتكاز وقوة في كل عملنا المقاوم، وهي صخرة تتكسر عليها كل المشاريع.

ولهذا، فإن استهداف هذا الركن من قبل الأعداء يشتد لمحاولة زعزعة هذا البنيان، وكل المخاطر المحدقة والكثيرة المتنوعة، كما تجعلنا في موقع الحذر، يجب أن تجعلنا في موقع العمل والمبادرة لتمتين هذا البنيان الذي أعطانا لغاية اليوم ثمارًا وانتصارات هائلة، فالمقاومة التي تكون ثقافة الأسرة والعائلة فيها قوية، فإنها تكون أصلب وأمتن وأقدر على مواجهة الصعاب.

 

المداخلة رقم 1: (الشيخ نزيه فياض / لبنان)

المقدمة

إنّ الحديث عن دور الكشّاف في بناء مجتمع المقاومة ليس حديثًا عن مؤسسة عادية، ولا عن إطار شبابي ترفيهي يملأ أوقات الفراغ وحسب، بل هو حديث عن مدرسة تربوية وأخلاقية وثقافية متكاملة. مدرسةٌ صنعت عبر السنوات الأربعين أجيالًا من الشباب والفتيات الذين يُدركون معنى الالتزام، ويحملون في وجدانهم روح الخدمة، وينتمون بوعيٍ إلى مشروعٍ أكبر من حدود ذواتهم. هذه المدرسة لم تكن يومًا هامشًا على مسيرة المجتمع، بل كانت — وما تزالركنًا أساسيًا في صناعة إنسانٍ مقاوم، خادمٍ لمجتمعه، معتزٍّ بهويته، ومحصّنٍ أمام التحديات التي تتجدّد مع كل مرحلة.

فالكشّاف، في تجربته الأصيلة داخل مجتمع المقاومة، لم يكتفِ بزرع المهارات الكشفية التقليدية، ولم يقتصر دوره على الرحلات والأنشطة، بل تحوّل إلى فضاء تربوي يربط الإنسان بقيم الإيثار والمسؤولية والانتماء. إنّه مكان تتكوّن فيه الشخصية من خلال العمل الجماعي، والالتزام الأخلاقي، واحترام الآخر، والقدرة على تحمّل المسؤولية، والانتقال من موقع المتلقّي إلى موقع الفاعل والمبادر.

وفي هذا الإطار، يبرز سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  بوصفه موجّهًا مُشرفاً على الجمعية، حيث يحدّد في  إحدى كلماته حول أفواج الخدمة المجتمعيّة البوصلة التربوية التي يجب أن يستند إليها كل جهد في الجمعية حين يقول:"مجتمع المقاومة هو مسؤوليتنا في كل الأبعاد وفي كل المجالات".

هذا القول ليس توصيفًا عابرًا، بل هو مبدأ تربوي عميق يضع الجمعية أمام مسؤولية حقيقيّة. فالكشّاف إذن ليس إطارًا لتمضية الوقت، بل هو مكوّن أساسي في بنية هذا المجتمع الحصين. هو أحد أعمدته الاجتماعية والثقافية، ورافد من روافد قوّته، وجزء من شبكة المناعة التي تحميه من التفكك ومن ضغوط الواقع الثقافي والنفسي.

إنّ فهم الكشّاف على هذا المستوى يحوّل كل نشاط كشفي إلى فعل مقاوم، وكل مبادرة خدمة إلى لبنة تُضاف في جدار المجتمع، وكل تدريب أو معسكر أو نشاط اجتماعي إلى خطوة في مسار بناء الإنسان القادر على حماية قيمه والذود عن مجتمعه. وهكذا يرتقي العمل الكشفي من ممارسة تنظيمية إلى رسالة تربوية ذات أثر طويل المدى، تمتدّ من الفرد إلى العائلة، ومن العائلة إلى الحيّ، ومن الحيّ إلى المجتمع بأسره.

المحور الأول: الكشّاف في جبهة بناء المجتمع المقاومة

    1. الخدمة كجبهة مقاومة

يرى الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  بوضوح أنّ العاملين في مجالات خدمة المجتمع يقفون على ثغور لا تقلّ أهمية عن أي ثغر آخر. فهؤلاء الذين ينزلون إلى الميدان لخدمة الناس، سواء كان عملهم تربويًا أو اجتماعيًا أو إنسانيًا، إنّما يؤدّون دورًا يتجاوز حدود النشاط الاجتماعي التقليدي. وفي كلمته الدالة في مؤتمر أفواج الخدمة المجتمعيّة يقول:

"جبهة خدمة المجتمع قوة المجتمع هي جبهة حقيقية في معركة حقيقية… وأنتم مجاهدون في سبيل الله… أنتم مقاومون".

هذا التوصيف يرفع الخدمة من مستوى المهمة التطوعيّة المحدودة إلى مستوى الجهاد الحقيقي، فهو يؤكّد أنّ معركة المجتمع ليست معركة السلاح وحده، بل هي أيضًا معركة على مستوى الأخلاق، والوعي، والتربية، والتكافل، والقدرة على سدّ الثغور التي تُفتح بفعل الفقر أو الجهل أو التفكك الاجتماعي.

وبهذه الرؤية الواسعة، تتحوّل الخدمة الكشفية من نشاط تطوّعي ظاهري إلى موقف مقاوم بكل ما للكلمة من معنى، وإلى شكل من أشكال الدفاع عن المجتمع واستمراره وصموده. فالكشّاف الذي يمدّ يد العون، والذي يعالج مشكلة، أو يساند عائلة، أو يعزّز وعيًا، لا يقوم بعمل خيري فحسب، بل يشارك في حماية المجتمع من الانهيار، وفي تقوية بيئة المقاومة، وفي بناء الأجيال على قيم الصمود والمسؤولية.

إنّ كل مبادرة كشفية، مهما بدت بسيطة، تصبح — في ضوء كلام الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  — جزءًا من المعركة الكبرى لحماية الإنسان، وتحصين الهوية، وترسيخ الانتماء. فالدفاع عن المجتمع لا يبدأ عند السلاح، بل يبدأ عند النفوس التي تتربّى على الخدمة، وتعرف أنّها تؤدي واجبًا رساليًا يكمّل جهود المجاهدين في ميادين المواجهة الأخرى.

    1. الكشّاف قوة فاعلة في المجتمع

الكشّاف قوة فاعلة في المجتمع، ليس لأنه إطار شبابي نشيط وحسب، بل لأنه تحوّل — عبر التجربة الطويلة والالتزام العميق — إلى جزء حيّ من نسيج مجتمع المقاومة. وفي حديثه عن كشّافة الإمام المهدي (عج)، يشير الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  إلى أن الجمعية أصبحت "شجرة طيبة متعمقة ومتجذرة في الفكر والثقافة والتربية داخل مجتمعنا". هذا الوصف ليس مجازًا عابرًا، بل هو شهادة على مسار طويل من العمل الدؤوب الذي جعل من الكشّاف مؤسسة تنمو جذورها في الأرض وتعلو فروعها في سماء القيم.

إنّ الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، حين يشير إلى هذا الدور المتقدم، إنما يفتح أفقًا يرى فيه كل فرقة، وكل قائد، وكل كادر، حاملًا لرسالة تمتدّ إلى ما هو أبعد من مقره أو منطقته، رسالة تبدأ بالتربية، ولا تنتهي إلا عند صناعة الإنسان المقاوم الذي يخدم مجتمعه ويقف في الخط الأول من معركة الوعي والصمود.

 

المحور الثاني: قيم الكشّاف في بناء المجتمع المقاوم

    1. ثقافة الأخوّة والتكافل

يشدّد الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) على ضرورة ترسيخ ثقافة الأخوة والتكافل  داخل المجتمع المقاوم، لأن مكانة وصفاء الروابط العائلية والاجتماعية جزء من أمننا الثقافي والاجتماعي. فالأخوّة هنا ليست مجرّد علاقة عاطفية أو شعار يتمّ ترداده في المناسبات، بل هي ركيزة تربوية تتأسّس عليها قدرة المجتمع على مواجهة التحديات.

ويتحدث الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) عن المحبة والتسامح، ليحدّد معيارًا دقيقًا لأداء الكشّاف ودوره في المجتمع: أن يكون عنصر جمع لا عنصر فرقة، وأن يُعيد صياغة العلاقات بين الشباب على قاعدة الاحترام والتقدير، وأن يُطلق في نفوسهم روح الخدمة المتبادلة والتعاطف والتفهم. فالكشّاف الذي يتربّى على الأخوّة الحقيقية يتعلّم أن ينظر إلى الآخر بوصفه شريكًا في حمل الرسالة، لا منافسًا أو خصمًا. وهذا الوعي الأخلاقي يبني شخصية قائدة، واثقة، وقادرة على الإمساك بإيقاع العلاقات الاجتماعية في محيطها.

إنّ صفاء الروابط الاجتماعية، كما يصفه الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، هو خط الدفاع الأول في وجه حملات التفكك الثقافي والأخلاقي التي تستهدف مجتمع المقاومة. والكشّاف — من موقعه التربوي — يمتلك القدرة على أن يكون محركًا لهذه الروابط، وأن يقدّم نموذجًا حيًّا للودّ والتعاون والشهامة التي يحتاجها أفراد المجتمع ليبقوا متماسكين، واثقين، ومؤمنين بدورهم في المسيرة الكبرى.

    1.  التواضع واحترام الناس

ويضيف الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في معرض حديثه عن القيم التي ينبغي غرسها في نفوس العاملين في خدمة المجتمع:

"تربية إخواننا على ثقافة التواضع ومحبة الآخرين واحترامهم وتقديرهم، حتى لو كانوا يخالفوننا".

هذه الكلمات تُشكّل إطارًا تربويًا واسعًا يتجاوز حدود التعامل الفردي، ليصنع منهجًا أخلاقيًا ينعكس على سلوك الكشّاف داخل المجتمع. فالتواضع — كما يطرحه الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) — ليس مجرّد فضيلة شخصية، بل هو أسلوب حياة يعلّم الإنسان كيف يفتح قلبه للآخرين. وفي البيئة الكشفية، حيث يجتمع الشباب من خلفيات متنوّعة، يصبح التواضع شرطًا أساسيًا لنجاح العمل الجماعي، ولتقبّل الاختلاف، ولإيجاد اللغة المشتركة التي تجمع بين الأفراد، ويخلق مناخ من الطمأنينة والانسجام.

ومن هنا، تظهر أهمية هذا التوجيه في المشروع التربوي للمقاومة، إذ لا يمكن بناء مجتمع حصين من دون قيم مشتركة تحكم السلوك وتوحّد الروح. والتواضع، بحسب رؤية الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، هو أحد المفاتيح الأساسية التي تمهّد الطريق إلى الخدمة الحقيقية، وإلى بناء إنسان قادر على حمل مسؤولية المجتمع بروح نقية، ولسان طيّب، ونَفَس متسامٍ.

    1. ثقافة الخدمة والتضحية

ويقول الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في سياق حديثه عن بناء الشخصية المقاومة:

"ثقافة الخدمة والتضحية والشهامة… ينبغي الاستفادة من أوقات الفراغ واستغلال الوقت".

هذا التوجيه يضع إطارًا تربويًا واضحًا لدور الكشّاف في المجتمع، لأن الخدمة في نظر الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) ليست نشاطًا يُؤدّى عند الحاجة فقط، بل هي ثقافة تُبنى في داخل الإنسان، وتتحوّل مع الوقت إلى سلوك دائم ونمط حياة. فعندما يتربّى الفرد على الخدمة من موقع الوعي، يصبح حاضرًا للمبادرة دون انتظار طلب، ويسعى بنفسه لرصد حاجات الناس، ويشعر بأنّ وجوده الحقيقي يتحقّق حين يُقدّم شيئًا للآخرين.

التضحية والشهامة التي يذكرها الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) ليست تضحيةً استثنائية أو مقرونة بالمصاعب الكبرى فقط، بل هي استعداد يومي للبذل، ولو كان المتاح قليلًا. إنها روح تجعل الكشّاف مستعدًا لأن يتخلّى عن جزء من راحته ووقته وجهده في سبيل الآخرين، لأنّه يدرك أن المجتمع لا يُبنى بالكلام ولا بالشعارات، بل بالعمل وبالقدرة على تقديم الأولويات العامة على المصالح الخاصة.

ويؤكّد الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في عبارته على ضرورة استغلال الوقت والاستفادة من أوقات الفراغ. والوقت هو رأس مال، وأن هدره يعني خسارة فرص كانت قد تتحوّل إلى خدمة أو مبادرة أو خطوة في بناء المجتمع.

وفي ضوء هذا الفهم العميق، تتحوّل ثقافة الخدمة والتضحية إلى عنصر جوهري في بناء مجتمع المقاومة. فهذه الثقافة تُحوّل الجهد التطوعي إلى وعيٍ راسخ، وتخلق جيلاً يرى في خدمة الناس معنى وجوديًا يتّصل مباشرة بمشروع المقاومة، لأنها تُنمّي فيه شعورًا بأن دوره ليس هامشيًا، بل جزء من رسالة كبيرة تتكامل فيها التربية والسلوك والقيم والالتزام.

 

المحور الثالث: التربية الكشفية ودورها في ترسيخ الانتماء

    1. بناء المناعة الثقافية لدى الجيل

يتحدّث الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) عن التحديات الثقافية الواسعة التي تستهدف الناشئة، ويضع يده على واحدة من أهم ساحات المواجهة في هذا العصر: ساحة الوعي. فيقول بكل وضوح:

"الجيل الصاعد يتعرّض لحملات وغزوات ثقافية متعدّدة… لذلك لا بد أن تبقى المناعة قوية".

هذا التحذير ليس توصيفًا نظريًا، بل هو تشخيص دقيق لواقع نعيشه جميعًا. فالشباب اليوم يتعرّضون لكمٍّ هائل من المؤثرات: إعلام، وترفيه، ومواقع تواصل، وأنماط تفكير وسلوك تُقدَّم على أنها النموذج العصري. هذه المؤثرات قد تبدو أحيانًا بريئة، لكنها تحمل في عمقها قيمًا ومعايير لا تنسجم مع هوية مجتمع المقاومة، ولا مع تاريخه، ولا مع مشروعه الأخلاقي والثقافي.

وهنا يأتي الدور التربوي للكشّاف، فمهمة هذا الإطار ليست فقط تنظيم الأنشطة والرحلات والبرامج، بل تحصين الهوية، وبناء الوعي، وحماية الجيل من التشتت والانحراف. إنّ المناعة الثقافية التي يتحدث عنها الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) ليست جدارًا يُقام حول الشباب، بل هي قوة داخلية تنمو فيهم، تجعلهم قادرين على التمييز بين الصحيح والمزيّف، وبين ما يبني وما يهدّم، وبين ما يتناسب مع قيم مجتمعهم وما لا ينسجم معه.

وتحصين الهوية لا يتحقق بالشعارات، بل ببناء علاقة واعية بين الكشّاف والقيم الأساسية التي ينتمي إليها. وهذا يتمّ عبر الثقافة الصحيحة التي تُعرّفهم بجذورهم، وتاريخهم، ورموزهم، ومسيرتهم. ويتمّ أيضًا عبر القدوة، فحين يرى الفتى قائده يعيش القيم التي يطلبها منه، يصبح الالتزام أسهل وأقرب إلى الروح. كما يتمّ عبر الانضباط والسلوك المسؤول، فالالتزام العملي هو الطريق الأقوى لترسيخ الهوية.

إنّ الكشّاف، من موقعه التربوي، يحمل مسؤولية كبرى في تثبيت هذه المناعة. فهو الذي يحتكّ مباشرة بالشباب، يرافقهم في الأنشطة، يعيش معهم التجارب، يراهم في لحظات قوّتهم وضعفهم، ويستطيع — من خلال هذا القرب — أن يبني في داخلهم حصانة لا تهزّها موجة، ولا تسقط أمامها العواصف.

وهكذا، يصبح الكشّاف خط الدفاع الأول في مواجهة الحملات التي تستهدف الوعي، ليس عبر المنع والقمع، بل عبر توعية الجيل، وتمكينه فكريًا، وفتح بصيرته على المخاطر، وترسيخ ارتباطه بقيمه وهويته وانتمائه.

    1. الانتقال من الدفاع إلى الهجوم

يرى الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنّ الاكتفاء بالدفاع الثقافي غير كافٍ، لأن الدفاع — بطبيعته — يبقي الإنسان في موقع ردّ الفعل، ويتعامل مع التحديات من موقع المتلقّي للضربات. ولذلك يشدّد على ضرورة الانتقال إلى موقع الفعل والمبادرة، فيقول: "يجب أن نزرع فيه القيم التي تنقله إلى موقع هجومي… إلى موقع الانتماء والاعتداد بالهوية".

هذا كلام عميق وتحدٍّ كبير في آن واحد يفتح أمامنا رؤية تربوية واضحة: لا يكفي أن نُحصّن الجيل من الخارج، ولا أن نمنع عنه المؤثّرات السلبية، ولا أن ندعوه إلى الحذر والحيطة فقط. فالمناعة الأقوى تنشأ حين يشعر الشاب بأنّه صاحب قضية، وأنه ينتمي إلى مشروع كبير يستحق أن يدافع عنه، وأن هويته ليست عبئًا عليه، بل مصدر قوة وشرف.

الانتقال من الدفاع إلى الهجوم لا يعني العدوانية أو الصدام، بل يعني أن يصبح الشاب واثقًا من قيمه، معتزًا بهويته، قادرًا على إبراز نموذجه الأخلاقي والثقافي دون خوف أو تردّد. فالهجوم هنا هو هجوم الوعي، وهجوم الثقة، وهجوم القدوة التي تعطي الآخرين صورة مشرقة عن الإنسان المقاوم والمتوازن.

وهذه النقلة التربوية هي ما يصنع جيلاً يحمل انتماءه بجدّية، ويشعر بأنّ تربيته وثقافته وتاريخه وشهداءه جزء من هويته الحقيقية. إنّ الشاب الذي يعتزّ بهويته لا يتأثر بسهولة بالموجات الثقافية الدخيلة، ولا ينجذب إلى النماذج السطحية، لأنه يمتلك مرجعية داخلية تقيه من الانزلاق وتشجّعه على التميّز.

وحين يتربّى الكشّاف على هذا المستوى من الوعي، يصبح مستعدًا للعمل بإيجابية وثقة، ويشارك في خدمة مجتمعه بروح المبادرة، لا بروح الواجب المفروض. ويتحوّل من شاب يحاول حماية نفسه فقط، إلى شاب يسهم في حماية الآخرين، ويقودهم نحو القيم الأصيلة، ويكون عنصر إشعاع داخل أسرته وحيّه ومدرسته ومحيطه.

وهكذا، تصبح التربية الكشفية جسرًا ينقل الجيل من موقع القلق والارتباك إلى موقع الرسوخ والاعتزاز، ومن موقع الدفاع المستمر إلى موقع الهجوم البنّاء الذي يبني الوعي ويعزّز الهوية وينشر الثقة في مجتمع المقاومة.

    1. القدوة وبناء النموذج

يقول الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في حديثه الموجَّه إلى العاملين في المجال التربوي: "بين أيديكم فتيان وفتيات هم أمانة… يجب أن نبني النموذج".

هذه الكلمات تختصر جوهر التربية الكشفية. فالفتيان والفتيات الذين ينضمون إلى الكشّاف لا ينضمون إلى مجموعة نشاطات فحسب، بل يدخلون إلى بيئة تصنع الشخصية وتشكّل الوعي وتضع الملامح الأولى للإنسان الذي سيكبر ليحمل جزءًا من مسؤولية المجتمع.

وإذا كان هؤلاء الناشئة “أمانة” — كما يصفهم الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) — فإنّ الأمانة تفرض على القادة والكادر التربوي أن يكونوا نماذج حقيقية تعكس القيم التي يُطلب من الشباب تبنيها. فالقدوة لا تُبنى بالكلام وحده، ولا تتحقق عبر التوجيه النظري فحسب، بل تحتاج إلى سلوكٍ عملي يومي يراه الفتية في قادتهم، فيجدون فيهم الصدق، وحسن الخلق، والاحترام، والانضباط، والمسؤولية.

فالقدوة هنا ليست رفاهية تربوية، بل هي أداة بناء مركزية عميقة داخل مجتمع المقاومة. لأنّ القائد النموذج يعلّم الفتية، دون أن يتكلم، وأن الانتماء ليس كلمات تُقال، بل فعل يُمارس. ويعلّمهم أن الأخلاق ليست شعارات، بل سلوك يومي يظهر في احترام الوقت، وطريقة الكلام، ونمط التعامل مع الآخرين، وفي الهدوء، والصبر، والخدمة، والتواضع.

ومتى وجد الفتى النموذج الصحيح، وجد معه الطريق. فالنماذج تُلهِم، وتدفع إلى الاقتداء، وتمنح الطاقة، وتبني الثقة، وتُشعر الشباب بأنهم قادرون على أن يكونوا جزءًا فعّالًا من مجتمعهم. وهنا تحديدًا، يصبح الكشّاف مدرسة تخرّج شبابًا يحملون أخلاقهم في سيرتهم، وقيمهم في خطواتهم، وانتماءهم في مواقفهم.

إنّ بناء النموذج، كما يطلبه الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، هو عملية مستمرة لا تنتهي. وهي مسؤولية تبدأ من القائد نفسه، وتكبر مع كل لقاء، وكل نشاط، وكل كلمة أو موقف يترك أثرًا في نفوس الفتية الذين يرونه مرجعًا لهم. وبهذا البناء الصامت، العميق، تتحوّل التربية الكشفية إلى صناعة إنسان قادر على أن يكون عنصر قوة في المجتمع، وحلقة وصل بين القيم التي يتعلّمها والواقع الذي يعيش فيه.

    1.   الآداب الإسلامية جزء من الهوية

ويؤكد الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، في معرض حديثه عن الركائز التربوية التي لا يمكن إغفالها داخل المجتمع المقاوم، أنّ: "الآداب الإسلامية جزء من تكوين الهوية الدينية… ويجب العمل على احترام الأهل والأصدقاء وآداب ديننا".

حين يتحدث الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) عن “تكوين الهوية الدينية”، فهو يشير إلى عملية طويلة تتداخل فيها التربية البيتية، والتجربة الكشفية، وبيئة المدرسة والمجتمع. هذه العملية تجعل من آداب الحوار، واحترام الوالدين، وحسن الجوار، والصدق، والأمانة، والحياء، وبذل الخير… عناصر أساسية لا يمكن لأي فرد أن يُمثل مجتمع المقاومة دون أن يحملها في سلوكه.

وفي الإطار الكشفي، تصبح هذه الآداب جزءًا من اللباس الروحي والأخلاقي الذي يرتديه الكشّاف قبل أن يرتدي بزّته الكشفية. فالكشّاف الذي يتدرّب على احترام أهله، يزداد احترامًا لقائده ورفاقه، والكشّاف الذي يتربّى على آداب الدين في كلامه ونظره وحركته، يصبح أكثر قدرة على أن يعكس صورة مشرقة عن مؤسسته ومجتمعه. فالالتزام بآداب الإسلام يصبح عنصرًا أساسيًا في صناعة إنسانٍ مقاوم، قادر على أن يكون قدوة بين رفاقه، وعنصر قوة في مجتمعه، وصاحب بصمة لا تُمحى أينما حلّ.

 

المحور الرابع:  الكشّاف ودوره الاستراتيجي في المستقبل المقاوم

    1. الكشّاف رافعة اجتماعية وثقافية

يرى الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنّ تجربة الكشّاف — بعد سنوات طويلة من العمل والمراكمة والتجارب — قد وصلت إلى مستوى من النضج يجعلها قادرة على أداء دور استراتيجي داخل المجتمع المقاوم. فهي ليست تجربة عابرة أو إطارًا شبابيًا محدودًا، بل قوة تربوية وثقافية أثبتت حضورها، واستطاعت أن تتحوّل إلى جزء عضوي من نسيج المجتمع. ومن هنا يؤكّد الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) أنّ هذه التجربة باتت قادرة على التغلغل الإيجابي داخل المجتمع، وعلى تثبيت “الشجرة الطيبة” التي تُنتج ثمارًا أخلاقية وثقافية واستراتيجية.

والثمار التي تتحدث عنها هذه الرؤية ليست مادية، بل هي ثمار بشرية: شباب يمتلكون وعيًا، وأخلاقًا، وانتماءً. شباب يعيشون القيم بدل أن يرفعوا شعاراتها فقط، ويحوّلون مبادئ المقاومة إلى سلوك يومي.

كما أنّ الكشّاف، وفق هذه الرؤية، يملك قدرة فريدة على التأثير الاجتماعي المباشر، لأنه يحتكّ بفئات متنوعة من الأطفال والناشئة والشباب، وهذا الاحتكاك المتدرّج يجعل الكشّاف رافعة ثقافية حقيقية، لأنّ تأثيره لا يقتصر على الفرد، بل يمتدّ إلى الأسرة والحيّ والمدرسة والبيئة العامة.

ومن الناحية الاستراتيجية، يصبح الكشّاف عنصرًا أساسيًا في بناء المستقبل المقاوم. فالمجتمع الذي يملك مؤسسات تربّي أبناءه على الثقافة الأصيلة، والهوية، والمسؤولية، والتضحية، هو مجتمع قادر على الصمود أمام التحديات، وعلى إنتاج قادته ومبادريه، وعلى حماية رسالته من الانحراف أو الضعف. لذلك، فإنّ الكشّاف لا ينتمي فقط إلى الحاضر، بل إلى مشروع طويل المدى، يُهيّئ الجيل الذي سيحمل راية المقاومة في السنوات القادمة.

وهكذا، يقدّم الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) رؤية شاملة للكشّاف كقوة اجتماعية وثقافية تتغلغل في المجتمع بذكاء وروح إيجابية، تعمّق القيم، وتبني المناعة، وتُسهم في صناعة إنسانٍ مقاوم، ثابت، ومؤمن بدوره في حماية المستقبل.

    1. صيانة صورة المقاومة

كما يدعو الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في حديثه إلى ضرورة إظهار الجوانب الثقافية والاجتماعية للمقاومة في الإعلام، وإلى تقديم صورة مشرقة عن تكافل المجتمع ومبادراته.  فالصورة التي تظهر عن مجتمع المقاومة ليست مجرد انعكاس خارجي، بل هي جزء من معركة الوعي التي تُخاض يوميًا. وعندما تُبرز المؤسسات الكشفية — باعتبارها قوة تربوية وشبابية — هذه الجوانب الإنسانية والأخلاقية، فإنها تساهم في بناء رأي عام يفهم حقيقة هذا المجتمع، ويقدّر ما فيه من حياة، ووعي، وروح تضامن.

إنّ الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) لا ينظر إلى الإعلام على أنه مساحة للعرض فقط، بل يعتبره نافذة تُظهر جوهر المجتمع. لذلك، فإنّ صيانة صورة المقاومة لا تعني تجميل الواقع، بل إظهار الحقيقة كما هي: مجتمع يبذل، ويتعاون، ويحمل هموم أفراده، ويتقدّم بثقافة الخدمة والتضحية، ويحوّل التحديات إلى فرص لبناء روابط أقوى بين الناس.

وعندما تظهر هذه الصورة الإيجابية، فإنها تعزّز الانتماء الداخلي أولًا، وتمنح أبناء المجتمع شعورًا بالفخر والاعتزاز بما ينجزه محيطهم. كما أنها تؤثر خارجيًا، لأنها تُثبت أنّ المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية أو موقف سياسي، بل هي مجتمع كامل يملك ثقافته، وتاريخه، وإنسانيته، ويهتم بتربية أجياله على أساس من الأخلاق والعطاء.

ومن خلال هذا النهج، تصبح الكشافة شريكًا في حماية الوعي العام من التشويه، وفي تعزيز الثقة بالقيم التي يقوم عليها هذا المجتمع، وفي إظهار الجانب الحضاري الذي يتجلى في مبادرات الشباب، وتكافل الأهالي، وروح التعاون التي تتجذّر في كل حيّ وقرية. إنها صيانة للصورة، ولكنها أيضًا صيانة للروح، من خلال تأكيد أنّ المقاومة مشروع حياة، لا مشروع مواجهة فقط.

    1. الاستثمار في الجيل الجديد

إنّ أحد أبرز المرتكزات التي يؤكّد عليها الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) — من خلال كامل رؤيته التربوية والاجتماعية — هو أنّ الجيل الجديد هو الرصيد الاستراتيجي الأكبر لمجتمع المقاومة. فالمستقبل لا يُبنى بالنيات فقط، بل بالعمل على إعداد شباب يمتلكون الوعي، والعقيدة، والمهارة، والقدرة على تحمّل المسؤولية في مواقعهم كافة. وهذا ما يجعل الاستثمار في الجيل الجديد ليس خيارًا تربويًا، بل ضرورة وجودية يفرضها الواقع والتحديات.

فالشباب الذين يدخلون الصفوف الكشفية اليوم هم قادة الغد، وعناصر الخدمة في كل ساحاتها، وحملة راية القيم التي يصرّ الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) على ترسيخها في المجتمع. ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار فيهم، ليس عبر تدريبهم على مهارات محدودة فقط، بل عبر بناء منظومة متكاملة تتيح لهم النموّ روحيًا وأخلاقيًا وثقافيًا، ليصبحوا عناصر فاعلة داخل مجتمعهم، قادرين على مواجهة التحديات الفكرية والإعلامية والاجتماعية.

والاستثمار في الجيل الجديد يعني الاستباق قبل أن يعني ردّ الفعل. فهو يبدأ من اكتشاف المواهب، وإفساح المجال أمام الطاقات، وتشجيع المبادرات الفردية، وتوفير بيئة يزدهر فيها الإبداع والالتزام. وهو يشمل أيضًا توجيه الشباب نحو فهم قضيتهم، وتعميق انتمائهم، وربط طموحاتهم الشخصية بالمشروع الجماعي الذي يحمي مجتمعهم وهويتهم.

كما أنّ هذا الاستثمار لا ينحصر في مواجهة الحملات الثقافية والغزوات الفكرية التي تحدّث عنها الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في مواضع عدّة فحسب، بل يمتدّ إلى تحويل الجيل الجديد إلى قوة إيجابية ومبادِرة داخل المجتمع. فالشاب الواعي لا يكتفي بالدفاع عن نفسه، بل يسعى إلى خدمة الآخرين، وإلى حماية قيمه، وإلى نشر السلوك الأخلاقي الذي يؤسس عليه مجتمع المقاومة تماسكه وتقدّمه.

ويجب أن ندرك أن الجيل الجديد ليس صفحة بيضاء فقط، بل هو أيضًا فرصة كبيرة، فرصة لتجديد الدم في مؤسسات المجتمع، وفرصة لتطوير أساليب الخدمة، وفرصة لتقوية الروابط بين العائلة والمدرسة والكشّاف، وفرصة لبناء إنسان قادر على تَحمّل المسؤولية بثبات ووعي.

وبهذا المعنى، يصبح الاستثمار في الجيل الجديد استثمارًا في المستقبل المقاوِم نفسه: مستقبل يُبنى بسواعد مدرَّبة، وعقول منفتحة، وقلوب مؤمنة، ونفوس مستعدة لأن تكون جزءًا من مشروع كبير يتجاوز الأفراد ويخدم الأمة كلها.

 

الخاتمة

إنّ الكشّاف في فكر الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) هو مدرسة لبناء الإنسان المقاوم؛ الإنسان الذي يحمل في داخله القيم، وفي سلوكه الأخلاق، وفي وعيه رؤية واضحة لدوره في المجتمع.

إنّ قيم الكشّاف التي ترتكز عليها هذه المدرسة ليست مجرد عناوين تُرفع في المناسبات، بل هي ركائز تُبنى عليها الشخصية: الأخوّة التي تخلق التماسك بين الأفراد، والتواضع الذي يجعل الخدمة فعلًا نابعًا من القلب، والالتزام الذي يحوّل القيم إلى سلوك، والانتماء الذي يربط الفتى بجذوره وتاريخه وهويته. فهذه القيم، حين تتجذّر في النفوس، تصنع إنسانًا قادرًا على العطاء، وعلى مواجهة التحديات بثبات.

أما التربية التي يحدّدها الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) للكشّاف فهي تربية متكاملة، تبدأ بـ التحصين الثقافي في وجه الحملات التي تستهدف الوعي والهوية، وتستمرّ عبر صناعة الوعي الذي يجعل الشاب قادرًا على الفهم والتمييز والمبادرة، ثم تتعمّق عبر التدريب الذي يمنح المهارات العملية، وصولًا إلى تنمية المناعة الثقافية التي تجعل الجيل الجديد راسخًا أمام المؤثرات، ثابتًا أمام التحديات، وواثقًا من جذوره وانتمائه.

وهذا الانتماء، في فكر الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، ليس شعورًا عاطفيًا مؤقتًا، بل هو انتماء لبيئة المقاومة، لتاريخها، لشهدائها، ولرسالتها الأخلاقية والإنسانية. إنه انتماء يعيد ربط الكشّاف بالمجتمع الذي يعيش فيه، ويجعله جزءًا من مشروع كبير يتجاوز الحدود الشخصية، ليصل إلى حماية القيم والدفاع عن المجتمع وتعزيز حضوره الثقافي والاجتماعي.

وعندما تجتمع هذه العناصر — القيم، والتربية، والانتماء — يصبح الكشّاف قوة تغيير حقيقية. يصبح مجموعة قادرة على أن تبني مجتمعًا أقوى، أشدّ وعيًا، وأكثر رسوخًا وثقة بنفسه. يصبح رافعة أخلاقية وثقافية تعزّز الروابط بين الناس، وتُعمّق روح التكافل، وتُهيّئ الجيل الجديد ليكون عنصرًا فاعلًا في مستقبل المقاومة.

بهذا الفهم، يتجاوز الكشّاف دوره التقليدي، ليصبح مشروعًا إنسانيًا وتربويًا رساليًا، يساهم في حماية الهوية، وبناء المواطنة الواعية، وتعزيز القوة الاجتماعية للمجتمع المقاوم.

المداخلة رقم 2: (أ. د. حسين رحال / لبنان)

سأقسّم كلامي لعدة محاور:

المحور الأول له علاقة بشخصية القائد القدوة، والمحور الثاني يتعلق بالطالب، والمحور الثالث بالأستاذ الجامعي، والمحور الرابع بالجامعة.

 

المحور الأول (القائد القدوة):

إن اختيار سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) ليكون هو القائد القدوة، لأنه يمثّل هذه الشخصية العظيمة التي جمعت بين القائد السياسي والمثقف والإداري. وهنا يندر أن تجد هذا التداخل في شخصية واحدة تستطيع متابعة كل المشاكل الاجتماعية والتربوية والسياسية والتنظيمية في نفس الوقت، وتقدم لك رؤى في التربية والأسرة، والعلاقة بين الشؤون التنظيمية والشؤون الإنسانية والعمل الحزبي. وفي نفس الوقت، يدير كل هذه الآلة من منطلق قيمي وأخلاقي، فهو إذاً التطبيق الفعلي للمثقف والقائد المشتبِك، كما يحلو للشهيد باسل الأعرج أن يوصّف عندما يتحدث عن المثقف المشتبِك.

 

فنحن لدينا قادة مشتبكون، وبالتالي فهذا الشهيد هو من أسرار الله في حزب الله. هذا القائد الذي كان يلجأ إليه الجميع لحل مشاكلهم أو الشكوى من ضغوط معينة، فيجدون لديه الكتف الذي يسندهم، والأب الذي يرعاهم، والشخصية التي تؤمن الحلول في متشابكات التنظيم والأمور الاجتماعية المستعصية لكل من لديه حاجة. ولهذا لعل سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) هو سر من أسرار الله في هذه الحالة المقاومة.

 

المحور الثاني (الطالب الجامعي):

الطالب في نظر سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) ليس متلقياً فقط، بل هو قائد ومؤثر وفاعل. دوره الأساسي هو تحصيل العلم؛ هو يأتي إلى الجامعة لكي يدرس، فمجال إبداعه الأول هو المجال العلمي والتخصصي. لا يذهب منذ البداية من أجل المنازعات الحزبية أو تسجيل أرقام في نجاحات الانتخابات وغيرها من الأنشطة السياسية الجامعية، إنما الدور الأول له أن يكون طالباً جاداً ومتخصصاً، وهنا يستطيع أن ينجز المهمة الأولى الجزئية. أما المهمات الأخرى، فهي مهمات وطنية، عليه أن يكون صاحب دور فاعل ومؤثر في غيره، ويستطيع أن يكون لديه من الانفتاح والهوية معاً. ليس هناك مجال للعصبية والأغراض الصغيرة، فعندما يدخل الطالب إلى المجال الجامعي عليه أن يستوعب هذا المجال ويكون قادراً على الانفتاح وبناء العلاقات، وعندها يستطيع التأثير. يجب أن يكون قابلاً للانفتاح، وفي نفس الوقت لديه الأصالة في الهوية والثقافة والثورية، إنما يقدم نفسه إلى الآخرين من داخل بيئته الثقافية وليس ممسوحاً في الهوية الثقافية، وليس لديه عقدة؛ لا عقدة الخواجة ولا أي عقد أخرى. إنه ملتزم بقضية، حزبيته أقل وضوحاً، وهويته أوسع مدى، ودوره فاعل لأنه في صفته هذه هو قائد ومؤثر مُستقطب للآخرين.

 

المحور الثالث (الأستاذ الجامعي):

الأستاذ الجامعي، يجب أن يكون لديه من الصفات ما هو أوسع من صفات الطالب، ولكن أيضاً الأستاذ الجامعي عليه أن يكون أستاذاً جامعياً بمعنى الحرفة العلمية التقنية؛ هذا ضروري وأساسي. ولذلك، كان المهم عند سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  مدى ملائمة هذه الشخصية لدورها كأستاذ جامعي.

 

الآخرون يتنافسون في الجامعات على أن يكون لديهم حصص في التعيينات، حصص في التثبيت، حصص في موقع الأستاذ الجامعي أو المدير. سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  لم يكن لديه هذه العقدة أبداً مثلما هي موجودة في مختلف التنظيمات والأحزاب. سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  كان يعنيه أن يكون الإنسان الكفؤ هو الذي يدرّس ويعلّم، وأن الإنسان الكفؤ هو الذي يدير.

 

وكم من مرّة تضاربت مشاكل العصبيات الحزبية مع رؤية سماحة السيدين الشهيدين (السيد هاشم صفي الدين والسيد حسن نصر الله رضوان الله عليهما) لهذه الجامعة التي يجب أن تكون جامعة، بأي جامعة عامةً كانت أو خاصة، فبنظرهم الجامعة هي مسألة تخصصية ولديها استقلالية أكاديمية. فكان من النادر أن يتدخل سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في الموضوعات التي تتدخل بها الأحزاب الأخرى، وهذه عقلية قد ضايقت البعض. والله أعلم أن تضايق البعض نتيجة الإحجام عن التدخل في مسائل يتدخل فيها الجميع، لأنه من باب القيم الإسلامية والدينية والأخلاقية يجب ألا نتدخل في موضوع يجب أن تكون الكفاءة هي الأولى فيه.

 

حتى في موضوع تفريغ الأساتذة، كان سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) يوصي الأخوة في التعبئة التربوية بأن عليكم أن تلتزموا بالمعايير العلمية التي تضعها اللجان ولا تتدخلوا في فرض اسم أو سحب اسم، بغضّ النظر عن حصة الحزب أو حصة الأحزاب الأخرى ماذا تكون.

 

من هنا، فعقلية المؤسسات التي كانت موجودة لدى الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، هي عقلية رجل الدولة، في دولة لا رجال دولة فيها إجمالاً، أو يوجد نقص في رجالها. فكان عقله يفكّر خارج حدود حزبه، كان عقله يعمل بالمقياس الوطني.

 

ومن وجهة نظر الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) كانت العلاقة مع الجامعة والأستاذ الجامعي هي علاقة خاصة تختلف عن رؤى كثير من العصبيات الحزبية، حيث يجب على الأستاذ الجامعي أن يفتح القابليات، وعليه مسؤولية وظيفية ومسؤولية شرعية. المسؤولية الوظيفية تعني أنه ملزم بالمسائل الإدارية والمسائل المتعلقة بحضوره الوظيفي كأستاذ. نحن نعرف العقل الوظيفي في لبنان وعقلنا ينحو نحو الثقافة اللبنانية، التي تنحو إلى التحلل من المترتبات الإدارية والوظيفية. وسماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، بهدى سماحة الإمام القائد، كان يعتبر أن ملزمات العقد على الأستاذ الجامعي هو أن يكون مؤتمناً على أداء دوره كاملاً، بغض النظر عن التسيب في الإدارة اللبنانية، وهنا تظهر المسؤولية الشرعية.

 

وتكمن مسؤولية الأستاذ الجامعي أيضاً في تقديم العلم بطريقة موضوعية للطلاب، وأن لا يكون لديه استفادة خاصة أو مسائل شخصية للاستفادة من مركزه العلمي. كما عليه أن يقدّم العلم بصيغته الحقيقية، لأنه لدينا كلاشيهات علمية غربية معروفة تظهر وكأنها حقائق مطلقة، فنحن نأخذ الإسقاطات العلمية من الغرب. ولكن كيف نبيِّئها ونستطيع تطوير مفاهيمنا؟ كان عند سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) تساؤل ومنحى من القلق: حول كيف نستطيع أن ننتج علماً موضوعياً يتلاءم مع مجتمعاتنا؟ لا نأخذ هذه الغرفة من الماء الغربي دون أن يكون لدينا فلتر حقيقي ننزع منه الجراثيم والأوبئة. هذا الأمر كان أساسياً وكان همًّا جوهرياً في إنتاج العلم عند الأساتذة وفي الجامعات.

 

إذاً كخلاصة، يجب أن تتميز شخصية الأستاذ الجامعي بالكفاءة والنزاهة، والالتزام الوطني والإبداع في إنتاج العلم، كما تحدثنا عن شخصية الطالب.

 

المحور الرابع (الجامعة):

ما نفهمه من ما قدمه سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) عن الجامعة هي أنها مؤسسة ديناميكية تقوم على جاذبية الشباب. طبعاً، مهمتها الأساسية هي البحث العلمي. وهذا أمر أساسي في الجامعة، وذلك من خلال قدرتها على جذب الشباب وتعزيز قابلياتهم العلمية، وأن يكون لديها فضاء من الإبداع والحرية العلمية، فلا يمكن تطوير العلم دون حرية علمية، وهذا أمر ضروري وهام.

 

سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) كان يعتقد أن العقل الذي تنقله الجامعة إلى الطلاب هو أمر مؤثر في بناء رؤيتهم نحو كل ما يجدونه من علوم أو فلسفات أو مدارك أخرى. النقد في الجامعة هو الذي يطور العلوم، ودور الجامعة وطني وهي ليست محايدة. دور الجامعة أيضاً هو نقد سرديات الهيمنة الغربية، وهذا يحتاج إلى جهد ليس فقط من مهمة الأستاذ، بل هناك عمل بنيوي يجب أن يكون مؤسساتياً، والجامعة هنا لها دور هام في إعادة سرديات التسلط الداخلي والسلطة والهيمنة الأجنبية العالمية الاستعمارية على البلدان المستضعفة. بذلك تستطيع الجامعة أن تقدم لطلابها هذا المخزون العلمي الكبير، كما ولها دور إيجابي في مواجهة الحرب الناعمة وفي تقديم الرؤى الوطنية والدينية من داخل العلم، فيعتبر سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في هذا المضمار أنه هناك صراعاً على الوعي في المجتمع، ويجب على الجامعة أن تأخذ دورها في هذا الصراع وأن تعطي كلمتها وأن تكون منحازة إلى المستضعفين والفقراء، وأن تكون جزءاً من حركة استنهاض الوعي عند الناس، عند الشباب، عند الأساتذة والطلاب. بهذا تكون الجامعة ديناميكية وجزءاً من تطوير المجتمع.

 

مجرد أن تكون الجامعة قوية في الكفاءة العلمية هو جزء أساسي من مداميك المقاومة الوطنية، ومن مداميك تطوير المجتمع في مواجهة الاحتلال والغزو، فكيف الحال إذا كنا نعطي لهذه الجامعة دوراً وطنياً ينسجم مع الحاجات الإنسانية للمجتمع الذي تعبر عنه هذه الجامعة وتأخذ منه أموالها وتدرس شبابه؟ بهذا المعنى، ليس هناك جامعة محايدة برأي سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، فالجامعة هي جزء من الصراع الكبير، ومن الخطأ أن ننظر إلى الجامعة كمركز علمي محايد.

 

وهذه بصيرة سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، فالجامعة العامة ليست مركزاً للنزاعات الحزبية، ولا يجب أن تكون الجامعة الخاصة مجالاً للتجارة، بصيرة سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) تظهر عندما ننظر إلى الجامعات في أميركا، والتي هي الآن، وبسبب ضغط الرأي العام الشبابي، أصبحت مجالاً للنزاع السياسي والضغط على الإدارة الأمريكية في الموضوع الفلسطيني، وفي نصرة أطفال غزة وأهل غزة.

 

فكيف الحال في جامعاتنا؟ إنها من أهم مجريات الحرب الناعمة التي تؤكد أن الجامعة ليست صرحاً علمياً محايداً، وهذه بصيرة سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)، ونستطيع أن نعطي أدلة عليها كالآتي:

1- الأساتذة الجامعيون في أميركا ودول الغرب المتخصصون بالعلوم الدقيقة هم منخرطون في العلوم التقنية، حيث يوجهون أعمالهم وأبحاثهم لتأمين الأسلحة التي تقتل الأطفال وتدمر العالم وتعمل على الإبادة.

2- الأساتذة الغربيون في العلوم الإنسانية منخرطون في عمليات الدعاية الإعلامية والنفسية والتبرير وتقديم الخطاب الأيديولوجي. وأكثر من ذلك يقومون بمساعدة جيش العدو الإسرائيلي. فهناك علماء نفس واجتماع وآخرون من علماء الإنسانيات يساعدون في تبرير القتل، وحقوقيون أيضاً، ويقومون بانتزاع الاعترافات، وتدريب الجيش في كيفية التعامل مع الأسرى، وهذه كلها جرائم ضد الإنسانية.

بناءً لكل ما تقدّم لا يستطيع أحد أن يقول لنا أن الأستاذ الجامعي يجب أن يكون محايدًا، وليس باستطاعته أن يكون منحازًا، فعندما ينحاز الأستاذ الجامعي إلى إنسانيته، لايكون منحازاً، بل يكون موضوعياً.

3- الآن في غزة، كيف ننحاز إلى الأطفال؟ البارحة كان عندنا ندوة في المعهد العالي للدكتوراه عن هذا الموضوع، موضوع علم النفس وعلاقته بالحرب التي جرت في غزة. جزء من الدراسات التي تنقصنا هو كيف ندرس نسبة الأطفال الذين تعرضوا لصدمات واضطرابات ما بعد الصدمة؟ وكيف ندرس توازن الشخصية؟ وما هي الأسباب الإيمانية التي لا تدرسها مقاييس علم النفس والاجتماع الغربية؟ هذا نقص عندنا. لماذا لا يكون لدينا تخصصات وأبحاث تبرز الخصوصية الثقافية العربية والإسلامية وحتى المسيحية، لأن عندهم إيمان أيضاً؟ هذا التوازن النفسي الذي جعل هذه الشخصية، سواء الأطفال أو الكبار في غزة، من خلال غلبة الوعي على اللاوعي عندهم، حيث يستطيع الإيمان أن يتغلب على الصدمة.

هذه مجالات للدراسة غير موجودة في الغرب، لكنها موجودة لدينا. وهنا يأتي هذا التميز الذي يجب أن يكون لدينا، وهذا الذي كان يطمح إليه سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) في رؤيته للجامعة.

4- سأعطي  مثلًا آخر له علاقة بأميركا. هؤلاء الذين يقولون لنا "اتركوا الجامعة لتكون صرحًا محايدًا"، ماذا فعلوا عندما احتاجوا لرئيس الجامعة الأمريكية في بيروت ورئيس الجامعة اليسوعية في عام 2019 خلال الاحتجاجات السياسية؟ عندما احتاجوا إلى هذا الوزن النوعي لدعم ما سُمي بالانتفاضة، جعلوهم مشاركين في هذا الحراك المسيّس، تصوروا ثورة يقودها رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت.

فليس هناك حزب شيوعي في لبنان حاكم، والذين يمسكون المال في لبنان هم جماعة أميركا الرأسماليين، والنواب الذين نزلوا في الثورة هم جماعة السفارة الأمريكية في لبنان. إنها لشبهة كبيرة أن تكون هناك ثورة فيها هذه الرموز الأمريكية. شبهة كبيرة، قبل أن نعرف التفاصيل، يجب أن ننتبه إلى أن الاستكبار يقود ثورة على من؟ ماذا كانوا يريدون؟ أصلاً الأداة المالية والاقتصادية في لبنان هي أمريكية، والطبقة السياسية في لبنان ليست يسارية ولا شيوعية.

 

باختصار كانت في لبنان بنية سياسية صديقة للمقاومة من كل الطوائف. هذه البنية كانت تعمل توازنًا مع جماعة أميركا داخل النظام. كان هناك توازن، ولم يكن هناك سيطرة لأي طرف. وبخلاف كل هذا الكلام، كان مطلوباً أن يدخل الوزن النوعي للسفارة الأمريكية والجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اليسوعية إلى ميدان الصراع السياسي على الوعي. هذه بصيرة سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض)  قالت لنا: "لا تتلهوا بهذه الاعتبارات الشكلية التي يصوروها لنا ولكنها في الواقع هي وهم غير صحيح".

 

كخلاصة، نستطيع أن نرى في رؤية وبصيرة سماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين (رض) هذه المنظومة القيمية الكبيرة التي تربط بين أداء الطالب وأداء الأستاذ والرؤية الوطنية والرؤية الإسلامية التي تنسجم مع رؤيته تجاه الكشاف، وتجاه الأسرة، وتجاه المجتمع، في اعتبار دور الجامعة دورًا هامًا في رفد المقاومة ونجاح الجامعة الوطنية، سواء كانت خاصة أو عامة. وهذا النجاح في دورها الاختصاصي يشكل مدماكًا أساسيًا في حرب الأدمغة بيننا وبين العدو الإسرائيلي وفي مواجهة الهيمنة الاستكبارية الغربية.

آخر تحديث : 2025-12-02
الكلمات المفتاحية للمقال:
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا

  • shape
  • shape
  • shape
  • shape